أقواس
أديبة مصرية لا يحضرني ذكر أسمها.. كانت تسكن أحد الأحياء العتيقة في القاهرة وكانت في ذلك الشارع شجرة اعتادت عليها منذ نعومة أظافرها.. فالشجرة تمتد فروعها لتلامس شرفات شقتها الواقعة في الطابق الخامس وظلت علاقتها بتلك الشجرة حميمة إ إلى أن جاء يوم صحت فيه على الشجرة وقد هوت بعد ان أقدمت بلدية المدينة على قطعها.. غير آبهة بعمر الشجرة المديد واعتياد الناس على ظلها ورائحة أزهارها النفاذة في موسم الأزهار وكل ما استنبط بذاكرة الحي تجاهها كمعلم من معالم شارعهم العريق. الأمر المدهش إن تلك الحادثة بما شكلت من جرح في ذاكرة تلك الأديبة دفعتها بعد ذلك لمغادرة الحي ثم التفكير الجدي بالهجرة خارج الوطن.حادثة ربما لم أكن موفقاً في تقديمها للقارئ إلا أنها لامست لدي نفس الشعور إزاء مواقف مماثلة في طبيعة الاعتداء على الشجر في أرجاء مدينتنا عدن خصوصاً بعض الأشجار المعمرة في نواحي المدينة وأحيائها.. وبعض الحدائق العامة رغم أن ما لدينا من حدائق لا تنطبق عليها تسمية حدائق بحكم مساحتها المحدودة للغاية ما يوحي إن فكرة الفراغات والمتنفسات العامة لا تروغ في ذهن التخطيط الحضري الذي تبدو فكرة تحويل كامل المساحات إلى عقارات لديه هي الفكرة المشحوذة والتي تغري هؤلاء أكثر من غيرها حتى أنهم يلجأون بعد ترك هذه الفراغات في المخطط الأول إلى العودة إليها وصرفها كعقارات بعد أن يقومون بتعديل المخططات وما أكثر المخططات المعدلة لدينا حتى أن بعض من أشتروا أجزاء من عقارات الأرض هي شوارع عامة يكتشفون بعد مضي الأعوام أن الحال قد تبدل وإنهم باتوا في شوارع خلفية بعد تعديل مساحات الشوارع أيضاً..وبالعودة إلى اجتثاث الأشجار المعمرة في مدينة عدن كانت الصورة ماثلة قبل الرأي في حديقة في التواهي وصورة أخرى في حديقة بالشيخ عثمان ولا أدري لماذا يكون مثل هذا التصرف لا يأخذ بالحسبان وما لهذه الأشجار من مكانة في نفوس الناس.. ناهيك عن ما للشجرة من فوائد ثم كم تحتاج من الأعوام حتى تعطي إلى سطح الحياة شجرة بعمر التي جرى اجتثاثها عنوة وهذا التصرف نراه في المرافق والمؤسسات العامة وبعض المدارس.. فهل لا توجد سبل أخرى للاعتناء بهذه الأمكنة والإيفاء عليها كحدائق عامة ومتنفسات ومواضع ظليلة نمت على مساحتها الأشجار ثم إننا من أفقر الشعوب في الاعتناء بالشجر فهي كما يبدو بعيدة عن ثقافتنا رغم أن الأشجار في المناطق الحارة تخفف من درجة الحرارة صيفاً.فهل نعيد التفكير بالشجر والخضرة حتى تبدو مدينتنا أجمل؟!.