أضواء
أمضى شهرين يجمع الأسئلة، التي يقال إنها وردت اليه مثل الطوفان من كل أنحاء العالم.ومع أننا شككنا في جدية دعوته، إلا أن أيمن الظواهري، ثاني أخطر المطلوبين في العالم، نفذ مؤتمره الصحفي الإلكتروني، الأول من نوعه لأي حركة إرهابية، الذي دام نحو ساعتين.لماذا فعلها؟بالتأكيد برهن الظواهري على أنه خصم لا يمكن عزله، أينما كان الكهف الذي يختبئ فيه، وبرهن على أنه يدير قيادة المعارك بنفسه، فزادنا حيرة كيف يستطيع فعل هذا كله. أحيانا يشطح الخيال فاقول إن اختباء زعماء القاعدة مسألة تستحق التفكير البسيط لا المعقد، فهو كقائد بلا حكومة او جيوش ليس في حاجة الى التحصن في منطقة القبائل المنيعة على حدود باكستان ـ افغانستان. يستطيع أن يعيش في وسط القاهرة، أو الرياض، أو عدن الساحلية اليمنية، أو دبي، أو ربما في شارع ادجوارد العربي في لندن، من دون ان يلحظه أحد.فالذي يستلم في كهفه آلاف الأسئلة من أنحاء العالم قادر على أن يدير معظم نشاطاته العسكرية والإدارية عبر نفس جهاز الكمبيوتر من أي شقة مريحة. الدليل على ذلك أن الأسئلة طارت اليه من طوكيو وحتى نيويورك، تسانده في ذلك عشرات المواقع الإلكترونية، التي استقبلت أسئلته ولاحقا نقلت إجاباته عليها. لكن رغم سهولة الاختباء يصعب علي أن أصدق أن الظواهري يملك الشجاعة للخروج من كهفه.ولا بد أن نسأل لماذا خاطر الظواهري في الفضاء الإلكتروني المراقب ووافق على استقبال الاسئلة؟الظواهري يرى أمامه خيارين، إما ان يقاتل عسكريا أو أن يحارب صوتيا. لذا نراه ضاعف نشاطه في الساحة الكلامية تعويضا عن خسائر القاعدة الفادحة في العالم، وخاصة في العراق. لقد خسرت القاعدة الكثير في العراق، وعلى ايدي البدو العراقيين انفسهم وليس بجهد القوات الاميركية، ولم تربح اي معركة كبيرة في اي مكان آخر في العالم، وان كانت قد نجحت في تسديد بعض الضربات المتفرقة.ربما بسبب الخسائر المستمرة، اخترع الظواهري فكرة المؤتمر الصحفي مخاطرا الكترونيا وسياسيا. فكما هو معلوم العديد من مواقع الإنترنت مراقبة، والنقاش العلني يعني زيادة الانشقاقات داخل الساحة الإسلامية المتطرفة. ومهما أجاب وبرر سيغضب جماعات أصولية، التي ستعتبره تجاوز الحدود في تطرفه أو في تساهله، مما يعمق الجدل المستمر منذ قيام القاعدة بتنفيذ جرائمها في الحادي عشر من سبتمبر، وبعدها في الرياض والدار البيضاء وغيرها. اللغط فاحت رائحته في مواقعهم الانترنتية، كما كشفته التسجيلات والخطابات المتبادلة بين الظواهري وقائده الميداني في العراق الزرقاوي السابق، حول قضايا مثل مسألة استهداف المدنيين لذاتهم والتعامل مع ايران.ولعل هذا ما حدا بالظواهري، وقائده الأعلى اسامة بن لادن، الى اللجوء بكثرة الى الانترنت. فكل المظاهر تدل على ان القيادة التقليدية للقاعدة تواجه مشكلة في الامساك بقياداتها الميدانية وجمهورها في كل مكان، ويبدو انها اختارت الظهور المتكرر، صورة أو صوتا، من أجل المحافظة على ما تبقى لها من مرجعية. وربما تكون هي شهوة الكلام التي تميز دائما اصحاب الحركات المتطرفة.[c1]* عن / صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية[/c]