السلطان علي عبدالكريم .. ودوره السياسي
محمد زكريا " ليطلع شبابنا اليمني على جزء من تاريخ بلادهم غشيه الضباب وأكتنفه الغموض في عهود الاستعمار والتخلف " تلك العبارة الموجزة كانت للسلطان علي عبد الكريم فضل ، سلطان لحج ( 1952 ــ 1958) السابق الذي خطها بيده على كتاب (( علاقة سلطنة لحج ببريطانيا )) للباحثة السعودية الدكتورة دلال الحربي إهداء منه إلى جامعة عدن . [c1]شهادة معاصرة [/c]والحقيقة أن تلك العبارة التي ذكرناها في المقدمة على الرغم من أنها كانت موجزة وقصيرة إلا أنها حملت في ثناياها تاريخ طويل كان مليئا بالأحداث السياسية الجسيمة والأمور الخطيرة ، وتكتسب تلك العبارة أو الشهادة أمام محكمة التاريخ أهمية خاصة لكونها جاءت على لسان السلطان ( علي ) سلطان لحج وكانت مدة حكمه لا تزيد عن ست سنوات (1371ـــ 1377هـ / 1952ــــ 1958م ) ولكنها كانت مليئة بالإنجازات الرائعة في شتى مختلف وجوه الحياة السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، والثقافية في سلطنة لحج . وفي ظله لم تعرف عنه مظلمة .[c1]رياح التغيير [/c]والحقيقة لقد امتلك السلطان علي عبد الكريم فضل رؤية سياسية واسعة الآفاق أو قل أنشئت كانت لديه قراءة جيدة وعميقة لمستقبل الحياة السياسية في إمارات الجنوب العربي . وتوقع أن رياح التغيير السياسية تتجمع في مصر عبد الناصر لتهب بشدة على المنطقة العربية ومن بينها لحج وعدن , وأنها ستقلع ـــ في المستقبل القريب جذور بريطانيا والسلاطين في عدن والجنوب العربي ـــ ، وحاول السلطان ( علي ) أكثر من مرة أن ينبه بريطانيا أن الوقت قد حان لتغيير سياستها تجاه إمارات الجنوب العربي . ولكن غرور الساسة البريطانيين الكثيف في لندن عاصمة الضباب والبرودة حجب عنهم الرؤية الحقيقية عما يحدث على مسرح العالم العربي من تغيرات سياسية بالرغم أنهم كانوا في قلب الوطن العربي أي ،في مصر التي كانت تمثل لهم أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط , وكانوا يراقبون عن كثب ثورة 23 يوليو وتداعياتها على الساحة المصرية والعربية. ولقد كان السلطان علي عبد الكريم صريحا مع الساسة البريطانيين في أحاديثه معهم ، بأن طريقتهم التقليدية والجامدة في معالجة الأمور السياسية الجديدة التي طفت على سطح الوطن العربي ستكون ــ حتما ـــ عواقبها وخيمة حيث لن يكون هناك في المستقبل القريب نفوذ بريطاني وسلطنات ومشايخ وإمارات في جنوب اليمن . وفي واقع الأمر ، كان السلطان الشاب علي عبد الكريم التي صهرته التجارب السياسية كانت لديه نظرة ثاقبة للمشهد السياسي في المستقبل القريب أو المرئي , إذا لم تعيد بريطانيا النظر في سياستها في المنطقة ، فإن العنف والفوضى هما اللتان سيكونان سيدا الموقف في مسرح اليمن الجنوبي السياسي , والخاسر الأول والأخير هو الشعب الذي سيعاني من تلك الفوضى والاضطرابات التي ستشتعل جذوتها في كل مكان من الجنوب العربي . وهنا ربما مناسبا أن نقتبس فقرة من كلامه إلى زوجة كبير قضاة عدن ـــ عندما أقام حفل عشاء في ( قصر الشكر ) في عدن للمسئولين الكبار البريطانيين ، إذ يقول : " وهمي الآن هو إقناع الشعب بعدم التطرف وللجوء إلى العنف في السعي لتحقيق هذا الهدف ، فأنا رجل سلم ، وأعتقد أنه بالتفاهم والتعاون المتبادل بيننا ( أي بريطانيا وحكام المنطقة ) يمكن حل أية مشكلة ". [c1]الإتحادالفيدرالي[/c]وفي واقع الأمر ، أن السلطان الشاب علي عبد الكريم فضل كان من أشد الحكام في الجنوب العربي المعارضين لمشروع الإتحاد الفيدرالي وأعتبره كارثة سياسية على بريطانيا نفسها وعلى أصدقائها من السلاطين والمشايخ والأمراء المرتبطين معها. ولقد كان مهندس مشروع الفدرالية هو السياسي العتيق هارولد إنكرمت المقيم السياسي في حضرموت والذي تبناه حاكم عدن السير هيكنبوثم ، ونص هذا المشروع الفيدرالي " على دمج الإمارات جميعها في اتحاد أو إتحادين فيدراليين على صلة وثيقة بالمملكة المتحدة ( بريطانيا ) " . وفي الحقيقة أن ذلك الإتحاد الفيدرالي لم يقف في معارضته سلطان لحج علي عبد الكريم فحسب بل وقفت قوى وطنية ضده وأسباب معارضته للإتحاد الفيدرالي ، أنه معادي للقومية العربية ، وكونه لم يأت نتيجة استشارات . فهو في نظرا مناورة هدفها الإبقاء على السيطرة البريطانية وعلى حالة التجزئة المصطنعة في البلاد. " وهو يعد من مؤسسي الدولة الاتحادية مجرد موظفين مأجورين للسلطات البريطانية ، ومن ثم فإنه لا يعترف لها بأية أهلية حقوقية تخولهم صلاحية عقد معاهدات تحدد مصير البلاد ". [c1]ثورة 23 يوليو[/c]وفي الواقع أن ثورة 23 يوليو سنة 1952م ، كانت لها تأثيرا واضحا في أفكار وآراء واتجاهات السلطان الشاب علي عبد الكريم فضل الوطنية. وربما كان السلطان ( علي ) يشعر في قرارة نفسه بضرورة أن تخرج بريطانيا من الجنوب العربي المحتل ، ولكنه كان من الصعب أن يجهر بذلك . وعندما رفعت الثورة المصرية شعار ( التحرر من الاستعمار البريطاني من الوطن العربي ) تجرأ أن يظهر أفكاره وآراءه الوطنية إلى حيز الوجود . ولذلك وصفه أحد الضباط السياسيين البريطانيين بأنه " ذا نزعة وطنية شديدة " . والحقيقة أن السلطان علي عبد الكريم ـــ كما مر بنا سابقا ـــ تولى السلطنة وهو في أوج شبابه , وأستطاع أن يجسد أفكاره وآراءه المثقفين اللحجيين وما يؤمنوا به على أرض واقع السلطنة اللحجية حيث صارت الحياة النيابية فيها شيئا ملموسا وواقعيا, ولقد اهتم اهتماما بالغا بنشر العلم والثقافية بين أهلها من خلال تشجيعه الكبير في تأسيس المدارس , جلب المدرسين المصريين لتدريس أبناء لحج ، وشجع النوادي الثقافية إلى الظهور مزاولة نشاطها بحرية كاملة . وأما بالنسبة للزراعة فقد وضع نصب عينيه على ضرورة النهوض بها لكونها تمثل العمود الفقري لاقتصاد لحج . والحقيقة أن تلك الإنجازات القيمة التي قام بها السلطان علي عبد الكريم في سلطنة نظرت إليها السلطات البريطانية في عدن بعين الرضا لكون ذلك سيعمل على تحسين مستوى الناس في لحج ومن ثم ستستقر الأمور في السلطنة والتي ستنعكس بدورها على عدن لكون لحج بوابة عدن . [c1]الخطوط الحمراء[/c]ولكن عندما تعدى السلطان علي الخطوط الحمراء ـــ على حسب فهم السلطات البريطانية في عدن وعلى وجه التحديد حاكمها العام هيكنبوثم ــــ وهي رفضه لمشروع الفيدرالية من ناحية وتصريحاته العلنية وغير العلنية بضرورة رحيل بريطانيا من عدن والجنوب العربي من ناحية ثانية وعلى أهمية أن تعيد حكومة صاحبة الجلالة النظر في سياستها مع أمراء الجنوب العربي ( اليمن الجنوبي ) من ناحية أخرى . كانت تلك الأمور من الصعب تقبلها السلطات البريطانية من السلطان الشاب ( علي ) . وكان من الضرورة بمكان أن تعمل على إزاحته من سدة حكم السلطنة اللحجية وخصوصا بسبب معارضته الشديدة . وهذا ما دفع بالدكتورة دلال الحربي أن تقول " ومن المؤكد أن سحب الاعتراف بالسلطان علي جاء نتيجة لعدم موافقته على الانضمام إلى الإتحاد الفيدرالي ". [c1]علي قمة السلطنة[/c]وفي واقع الأمر ، كان حاكم عدن هيكنبوثم غير راضيا على الكثير من أفكار وآراء واتجاهات الشاب علي عبد الكريم السياسية وهي نزوعه إلى القومية ، والتحرر من قبضة بريطانيا , وتأييده للإمام أحمد في موقفه ضد بريطانيا وذلك قبل اعتلاءه كرسي السلطنة ولكنه أضطر هو والساسة البريطانيين تحت ضغط الأوضاع الخطيرة التي ظهرت على مسرح الحياة اللحجية السياسية وهي فرار أخيه السلطان فضل عبد الكريم من لحج وما أدى ذلك إلى فراغ سياسي عميق في لحج قد يسبب قلاقل ، وفتن ، واضطرابات على المشهد اللحجي السياسي وبالتالي سينعكس سلبا على مستعمرة عدن ، بأن يتولى حكم السلطنة اللحجية . وهذا أكدته الدكتورة دلال الحربي ، بقولها : " وبعد تفكير ملي في قضية خلافة لحج خلص هيكنبوثم إلى أن علي عبد الكريم على الرغم من عيوبه ــــ ويقصد عيوب أفكاره السياسية المناقضة لسياسة حكومة صاحبة الجلالة البريطانية ـــــ يعد الشخص الأكثر ملاءمة لخلافة أخيه السلطان المخلوع " [c1]نادي الشعب اللحجي[/c]ذكر فيما ذكر الأستاذ حسن شهاب عن شخصية السلطان علي عبد الكريم ( 1952 ـــ 1958 م ) أنه " حصل على حظ لا بأس به من الثقافة الحديثة " . وذكر ــ أيضا ـــ حاكم عدن هيكنبوثم أنه كان متعلما . وفي واقع الأمر ، لم نعلم على وجه اليقين البيئة العلمية للسلطان علي عبد الكريم الذي ولدى وتربى على حجرها ؟ , وما هم أساتذته الذي أخذ منهم أو تتلمذ على أيديهم ؟ . وما هي العلوم والمعارف الذي درساها وهل مزجت بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة ؟ . وما هي الشخصيات التي تأثر بها السلطان ( علي ) وكانت لها بصمات واضحة في تكوين شخصيته الفكرية واتجاهاته السياسية؟ . , ولكن من خلال قراءتنا للمشهد الثقافي والسياسي في سلطنة لحج نستشف منه المؤثرات التي أثرت في فكر، وآراء ، واتجاهات السلطان الشاب علي عبد الكريم وهي ظهور حركة ثقافية وسياسية في عهد والده السلطان عبد الكريم فضل كانت تنادي بتطوير الحياة الثقافية وإن كانت في حقيقة أمرها مغلفة بالسياسة ، والمطالبة بتحسين الزراعة والعناية والاهتمام الكبيرين بها وكذلك العمل على إقامة حياة برلمانية في سلطنة لحج , واقصد هنا بالحركة الثقافية والسياسية والاجتماعية هي ( نادي الشعب ) في لحج الذي تأسس في أواخر الحرب العالمية الثانية . والحقيقة أن ذلك النادي كان يحتوي في ثنايا أهدافه قضايا سياسية جريئة وخطيرة وهامة ــ كما قلنا سابقا ـــ تتمثل بمطالبته الواضحة من سلطان لحج أن يحكم الشعب اللحجي نفسه بنفسه من خلال حكم دستوري , وتأسيس مجلس تشريعيا وتنفيذيا . وهنا ربما يكون مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام الدكتورة دلال الحربي عن تأسيس نادي الشعب وأهدافه ، فتقول : " لم يؤسس في لحج سوى ناد واحد وهو(( نادي الشعب)) الذي ظهر في نهاية الحرب العالمية الثانية ... ومن المرجح أن تأسيس النادي جاء بناء على رغبة المتنورين من أبناء لحج الذين كانوا يسعون للإصلاح الإداري والزراعي في لحج والحصول على مكاسب لطبقتهم ولتبوء مكانة رفيعة مؤثرة في المجتمع " . وتواصل دلال الحربي حديثها ، فتقول : " ويتضح لنا ذلك ما كتبه أحدهم إلى السلطان عبد الكريم فضل ـــ قبل وفاته ـــ من تضرر الشعب اللحجي من التسلط على منابع الغيل , وحبس طمي السيول من التسرب إلى الأراضي الزراعية ، وطالب الكاتب السلطان عبد الكريم بأن يدع الشعب يحكم نفسه بنفسه حكما دستوريا ، وأن يؤسس مجلسا تشريعيا وآخر تنفيذيا " . وفي واقع الأمر، نستخلص من تلك الرسالة أو المطالب الموجهة إلى السلطان عبد الكريم فضل بن علي ( الثاني ) المتوفى سنة ( 1366هـ / 1947م ) كالأتي : [c1]قضايا اجتماعية[/c]ـــ أنها حملت في طياتها قضايا اجتماعية واضحة تدافع عن مصالح الشعب اللحجي وعلى وجه الخصوص تمس مصالح المزارعين وهم الأغلبية والأعم الذين كانوا يتضررون من أساليب غير العادلة في احتكار ينابيع المياه ، وحجز طمي السيول عن أراضيهم الزراعية لتكتسب خصوبة وهي بالنسبة لها الحياة والموت . وتلك في أغلب الظن من القضايا الاجتماعية الجريئة والشجاعة التي لم تثيرها أو تتطرق إليها جهة شعبية معينة سواء في اليمن أو لحج أو في مستعمرة عدن . ونستطيع أن نتجرأ ، ونقول بأن ( نادي الشعب ) اللحجي كانت لديه رؤية اجتماعية جرئية واضحة ـــ كما مر بنا سابقا ـــ لم يسبقه أحد مثلها من أندية لحج التي أقيمت في عدن مثل ( نادي الأدب العربي ) ، و( نادي الشباب اللحجي ) اللتين بناء لحج . ومثلما كان لأعضاء نادي الشعب اللحجي الجرأة في طرح القضية الاجتماعية ، كانت ــ أيضا ــ لديهم الصراحة والشجاعة في طرح القضية السياسية أمام السلطان عبد الكريم فضل بن علي ( الثاني ) .[c1]لحج والدستور[/c]وتظهر كلمة الدستور , والمجلس التشريع والتنفيذي في ثنايا تلك الرسالة أو المطالب الموجهة من أعضاء ( نادي الشعب ) اللحجي إلى السلطان عبد الكريم , وهذا في حد ذاته يعد تطور سياسي كبير أو تعد تلك المطالب قفزة سياسية كبيرة في فكر ( نادي الشعب ) اللحجي الذي ربط بين الحياة الاجتماعية والسياسية ربطا ذكيا . ويواصل ذلك النادي مطالبه السياسية مع السلطان فضل عبد الكريم حيث أحتج أعضاءه بسبب " عدم استشارة الناس في أمر اختيار ممثليهم في المجلس الاستشاري في الحوطة , وطالبوا تعيين علي عبد الكريم ممثلا لهم في المجلس " . ونستخلص من ذلك أن أعضاء نادي الشعب اللحجي لم يتوقف دورهم السياسي في عهد السلطان عبد الكريم فضل فحسب بل استمروا بمطالبهم بحياة برلمانية في لحج في عهد السلطان فضل عبد الكريم , ويسترعي انتباهنا أن أعضاء نادي الشعب اللحجي بعد كانوا يشرحون الأخطاء الاجتماعية في ظل السلطان عبد الكريم فضل علي ( الثاني ) . إذ بهم يتحولوا إلى معارضة سياسية ترفع صوتها و تجاهر به علنا في عهد السلطان فضل عبد الكريم . ولقد رأينا كيف أعربوا عن احتجاجهم بسبب اختيار ممثليهم في المجلس الاستشاري في الحوطة دون علم الناس أو بمعنى آخر أنه تم تعيين هؤلاء الناس في المجلس بأمر من السلطان , وهذا يناقض ويغاير تماما روح الحياة البرلمانية الصحيحة التي تكفل حق أنتحاب الناس لممثليهم انتخابا حرا ونزيها . ويلفت نظرنا أن أعضاء النادي طلبوا من السلطان فضل عبد الكريم ، تعيين أخيه علي عبد الكريم نائبا لهم في المجلس التشريعي .[c1]مخطط السياسة اللحجية[/c]ونستشف من ذلك أن أعضاء النادي كانوا يدركون تمام الإدراك أن الشاب علي عبد الكريم كان يؤمن بالحياة البرلمانية وضرورة بزوغها على مسرح الحياة السياسية اللحجية . وهذا ما دفعهم ـــ كما قلنا سابقا ــ أن يطلبوا من السلطان فضل عبد الكريم أن يكون أخيه مماثلا أو نائبا لهم في المجلس الاستشاري . وأغلب الظن أن الشاب علي عبد الكريم ، كان يدعم ويساند موقف أعضاء نادي الشعب اللحجي بقوة ولكن بصورة خفية وبمعنى آخر كان أهداف وبرنامج النادي هو الذي وضعها ولكن من خلال أعضائه أو بالأحرى كانوا الناطق الرسمي للأمير علي عبد الكريم قبل أن يعتلي منصة السلطنة . وما كان أعضاء النادي يتجرءون بطرح تلك الأفكار والآراء الاجتماعية والسياسية الجريئة في عهد أبيه السلطان عبد الكريم فضل ، ومن بعده أخيه فضل عبد الكريم لولا دعم الأمير الشاب عبد الكريم لهم وربما يكون علي عبد الكريم هو مؤسس نادي الشعب اللحجي . وهذا يدلنا بأن علي عبد الكريم كان قبل أن يتولى السلطنة اللحجية بعد أخيه كان شابا يتقد حماسا ، ويسعى بشتى الوسائل المشروعة أن يحسن ويطور بلاده لحج في مختلف ميادين الحياة السياسية ، الاقتصادية ، الزراعية ، والثقافية على غرار مستعمرة عدن . ومن المرجح أن يكون السلطان الشاب علي عبد الكريم هو مخطط ومحرك السياسية اللحجية الجديدة .[c1]حركة الأحرار اليمنيين [/c]وهناك عوامل أخرى فتحت آفاق واسعة في أفكار وآراء واتجاهات السلطان الشاب علي عبد الكريم السياسية وهي حركة الأحرار اليمنيين الذي قادها الشهيد محمد محمود الزبيري ، والأستاذ النعمان من عدن ضد الإمام يحيى ومن بعده ابنه الإمام أحمد . وربما كان مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام الدكتورة دلال الحربي عن دور حركة الأحرار اليمنيين في بذر بذور الوطنية في جنوب الجزيرة العربية , و من بينها سلطنة لحج والتي من الطبيعي كان لها تأثيرا في أفكار ، وآراء ، واتجاهات السلطان علي عبد الكريم الوطنية ، إذ تقول : " ومن الأهمية الإشارة إلى أن الوعي الذي وجد عند بعض أفراد الشعب الحجي إنما كان مرده لعوامل عدة نرجح منها نشاط حركة الأحرار اليمنيين التي بدأت تنشط منذ عام 1365 هـ / 1946م ، معارضة الحكم الأمامي في اليمن وضمت هذه الحركة فئات متعددة من كبار التجار والقضاة وبعض أفراد الأسرة الحاكمة ، وأصبح لها نشاط متزايد في عدن من خلال صحيفتها ( صوت اليمن ) ، وكتيباتها ، واتصالاتها , وكان وجودها وتحركها في عدن من العوامل التي أسهمت في صنع وعي وطني في جنوب الجزيرة العربية ". [c1]نمو الوعي السياسي[/c]وهذا ما أكدته ــ أيضا ــ ألباحثه شفيقة عبد الله عراسي في دور حركة الأحرار اليمنيين السياسي في أيجاد يقظة فكرية واسعة بين اليمنيين على تباين فئاتهم الاجتماعية وتنوع حظوظهم الثقافية في داخل اليمن وخارجه . وكان من البديهي أن تهب تلك الرياح الوطنية على لحج ومثقفيها ومن بينها الأمير الشاب علي عبد الكريم الذي لم يبوأ بعد سدة حكم السلطنة اللحجية . وفي هذا الصدد ، تقول : " ساعدت السلطات البريطانية بنمو وتطور الوعي السياسي في عدن ، دون قصد ، وذلك بقبول رجال المعارضة اليمنية في عدن ، والتغاضي عن ممارسة نشاطهم فيها . فقد ألتف المواطنون اليمنيون حول حركة الأحرار بمختلف فئاتهم ، من تجار ومثقفين وعمال وحظيت باستجابة واسعة في داخل اليمن وخارجه . وأدى ذلك النجاح إلى تطورها لمستوى تنظيم سياسي له برنامج حدد فيه شكل الحكومة الذي طمح الشعب اليمني إلى قيادتها . ولقد كانت مواده في الإصلاح تؤدي إلى يقظة فكرية وسياسية ، وتدفع بالمثقفين للنظر إلى واقع حالهم " . ـــ و حول الأسباب التي دفعت بالسلطات البريطانية في عدن ، أن تزاول حركة الأحرار نشاطهم في ساحتها ــــ ، فتقول : " كان غرض السلطات البريطانية من احتضانها رجال المعارضة اليمنية ، والتستر على نشاطهم تشكيل ضغوط سياسية على حكومة الإمام . وعلى الرغم من تحقيقها لتلك الضغوط إلا أنه عكس جوانب إيجابية في نمو الوعي السياسي وتطوره في مستعمرة عدن . فقد تفاعل مجتمع عدن اليمني مع حركة الأحرار ، والتفت العناصر الوطنية والمثقفة حولها . وعملت على دعمها ماديا ومعنويا . وذلك لأن برنامجها السياسي كان يعبر عن طموحهم وأمالهم ، وانطلاقا من نظرتهم لتطور وازدهار اليمن الواحد ، الأرض والحضارة ". [c1]الصحف العدنية[/c]ومن العوامل الأخرى التي أثرت في نمو الوعي الوطني لمثقفي لحج ومن بينهم السلطان الشاب علي عبد الكريم فضل هي الصحف وخصوصا الصحف العدنية المختلفة حيث أنها ربطت بين ما يحدث في مستعمرة عدن وما يحدث في سلطنة لحج أو بمعنى آخر أن عدن كانت مدينة مفتوحة ملئت بالصحف الأهلية والعربية والأجنبية المتنوعة فكان من البديهي أن يقرأها مثقفي لحج والمهتمين بالقضايا السياسية , وكانت تكتب على صفحاتها قضايا سياسية تخص الشأن اللحجي هامة وعلى سبيل المثال المطالبة بالدستور ، وإلغاء الحكم الفردي ، ونشر العدالة الاجتماعية بين أبناء لحج . وكانت تلك المطالب الاجتماعية والسياسية يكتبها عدد من مثقفي لحج في الجرائد الصادرة في عدن . وهنا ربما كان مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام دلال الحربي عن دور الصحف العدنية في نشر الوعي الوطني بين أبناء لحج وخصوصا من المثقفين منهم . ولقد نوهت ـــ أيضا ــ بأن قرب لحج من عدن كان له تأثيرا فعالا في مجريات الأحداث السياسية فيها أو بعبارة أخرى نشرت الثقافة الوطنية بين أبناء لحج وعلى وجه التحديد المثقفين منهم , فتقول : " كما أنه لما تكتبه الصحف العدنية في تلك الفترة أثره البالغ في المطالبة بالدستور لليمن ، وإلغاء النظام الإقطاعي ، والحكم الفردي والظلم في تلك البلاد ، وكان ذلك كله يقرأ في لحج مما خلق وعيا دستوريا وشعورا بالجور وأملا بالعدل على يد السلطان فضل عبد الكريم ، وقد أسهم بعض شباب لحج في الكتابة بالصحف العدنية مطالبين بالإصلاح الإداري والدستوري لبلادهم ( لحج ) " . وتضيف قائلة : " كما أن هناك جانبا آخر لا يمكن إغفاله ، وهو قرب لحج من عدن ، هذا القرب الذي سهل للأولى أن تحصل على الصحف العربية الأجنبية الأخرى إضافة إلى الصحف العدنية مما يسر لها الاتصال بالعالم الخارجي وما يدور فيه ، كما أن من المؤكد أن التطور الذي كانت تشهده عدن كان له تأثيره على بعض اللحجيين الذين كانوا يرغبون في أن تكون بلادهم متقدمة كعدن " . [c1]ثقلها السياسي[/c]وفي الحقيقة أن حكومة صاحبة الجلالة ، أبدت استيائها من معارضة السلطان علي عبد الكريم فضل من مشروع الإتحاد الفيدرالي واتجاهاته ذات النزعة الوطنية وتأييده لسياسة عبد الناصر في المنطقة وقيل إنه عندما أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا سنة ( 1377هـ /1958م ) ، فإن السلطان علي عبد الكريم كان يسعى أن تنضم السلطنة اللحجية إليها أي الجمهورية العربية المتحدة . والحقيقة أن بريطانيا كان في الإمكان أن تغض الطرف عن أية إمارة في الجنوب العربي إذا رفضت الانضمام إلى الإتحاد الفيدرالي لكونها لا تشكل ثقل سياسي مهم للفيدرالية بخلاف سلطنة لحج الذي كان لها حضور كبير ومؤثر على الساحة السياسية بين إمارات الجنوب العربي ( اليمن الجنوبي ) , ورفضها يعني عقبة كأداء في سبيل تنفيذ الفيدرالية ومن ثم سيشجع العديد من إمارات الجنوب العربي في الامتناع إلى الدخول إليه . [c1]مع الإمام أحمد[/c]وتأزمت الأمور السياسية بين علي عبد الكريم فضل والسلطات البريطانية في عدن , وصارت العلاقة ساخنة وملتهبة وقاسية بين الجانبين , وسافر السلطان ( علي ) إلى لندن ليعرض وجهة نظره السياسية إزاء الإتحاد الفيدرالي من ناحية ويحاول إقناع المسئولين البريطانيين بإعادة النظر في سياستهم تجاه المنطقة ( إمارات الجنوب العربي ) . ولكن حكومة صاحبة الجلالة البريطانية هاجمته بشدة ووجهت إليه أصابع الاتهام بأنه يعمل على زعزعت الاستقرار في إمارات الجنوب العربي ، وإثارة الفتن وتقويض مشروع الفيدرالية . والحقيقة أن السلطان علي عبد الكريم كان يأمل من عدد من الدول العربية وخصوصا من اليمن أن يؤيدوه في قضيته ضد بريطانيا وخصوصا عندما أعلنت بريطانيا سحب اعترافها به كسلطان على لحج ولكنهم لم يحركوا ساكنا . وهذا ما دفع بالباحثة السعودية الدكتورة دلال الحربي أن تعبر عن موقف المملكة المتوكلية اليمنية المتخاذل إزاء قضية السلطان ( علي ) ، إذ تقول : " وقد أعلنت الجمهورية العربية المتحدة واليمن والعديد من الدول العربية تأييدها لعلي عبد الكريم ، غير أنه من الأهمية التوضيح أن تأييد اليمن لم يتجاوز التأييد النظري " . والحقيقة أن السلطان علي عبد الكريم بذل مجهودات كبيرة بهدف كسب قضيته ضد البريطانيين الذين خلعوه من السلطنة اللحجية ، فالتقى بالإمام أحمد على أمل أن يقف معه ولكنه بدلا من الوقوف بجانبه إذ به يبتزه ابتزازا سياسيا فقد( ... صدم بمطالب الإمام أحمد في المحمية ، وظهر خلاف في الرأي بينهما ، إذ أصر السلطان علي عبد الكريم على تحقيق الاستقلال عن بريطانيا ، ورفض الاعتراف بحق الإمام في محمية عدن " . وعندما فشل السلطان علي عبد الكريم في تأييد الإمام أحمد ضد قضيته ، زار بغداد والتقى بعبد الكريم قاسم على أمل أن يسانده في قضيته ضد البريطانيين ولكن الأخير وافق على شرط " أن العراق سيؤيد قضية الجنوب العربي في حالة عرضها على هيئة الأمم المتحدة ". [c1]المجلس التشريعي اللحجي[/c]وفي الحقيقة أن خلع السلطان علي عبد الكريم من السلطنة اللحجية وجد معارضة شديدة من قبل عدد من أعضاء المجلس التشريعي اللحجي ، وأعلنوا أن السلطان ( علي ) مازال سلطانا شرعيا . ولقد قدموا عريضة إلى حاكم عدن ، تقول بموجبها : " وأنهم مازالوا يعترفون بالسلطان علي عبد الكريم سلطانا على لحج حتى بعد سحب اعتراف الحكومة البريطانية به ، لأن هذا السحب لا يقضي باختيار سلطان آخر بدلا عنه ، وأن علي عبد الكريم مازال يعد سلطانا شرعيا اختاره الشعب بموجب البيعة التي أعطيت له ، وأن فضل بن علي يعد رئيسا للحكومة ونائبا له أثناء غيابه ، مهما طال هذا الغياب " وتعقب دلال الحربي أعضاء المعارضة في المجلس التشريعي اللحجي ، فتقول : " وفي الواقع أن تلك المعارضة لم تكن مأثرة في قرار السلطات البريطانية في عدن بسحب اعترافها من السلطان علي عبد الكريم بسبب أن المعارضة لم تتجاوز أعدادها خمسة عشرة عضوا في المجلس التشريعي والذي يبلغ أعضاءه واحد وعشرين عضوا " ومن ثم إن معارضتهم ليست بذات قيمة لأن آخرين من الأعضاء كانوا ضمن الهيئة الانتخابية , ولكن لم يوقعوا على العريضة المرفوع له ـــ أي حاكم عدن ـــ . " [c1]الهروب من لندن[/c]ولقد كشفت الدكتورة دلال الحربي معلومات مثيرة عن محاولة اعتقال أحتجاز الحكومة البريطانية للسلطان علي عبد الكريم الذي كان موجودا في لندن ليعرض على المسئولين البريطانيين هناك وجهة نظرة حول أسباب معارضته للإتحاد الفيدرالي والذي يراد تطبيقه في المحمية الغربية والمحمية الشرقية مما أضطره أن يغادرها سرا إلى ميلانو بإيطاليا خوفا من احتجازه في العاصمة البريطانية لندن ، فتقول : " كانت السلطات البريطانية في لندن ترتب لاحتجاز السلطان علي عبد الكريم ، وعندما علم بهذا الأمر عن طريق أحد التجار العدنيين وهو عمر عبد العزيز شهاب والذي عرف بالأمر من خلال أحد السلاطين المجتمعين في لندن ، سافر من لندن إلى روما سرا " . [c1]مع جامعة الدول العربية[/c]وعندما فشل السلطان علي عبد الكريم فضل مع الإمام أحمد ــ كما مر بنا سابقا ـــ بسبب تعنت الأخير بضرورة أن تكون سلطنة لحج تحت رداء نفوذ المملكة المتوكلية اليمنية اتجه إلى جامعة الدول العربية لعله يجد مساندة منها في قضيته ضد بريطانيا , ولكن الجامعة لم تحرك ساكنا بسبب وقوفها مع الإمام أحمد بأن المحمية الغربية وعلى وجه الخصوص لحج جزءا لا يتجزأ من المملكة اليمنية , ولذلك فهي ( أي جامعة الدول العربية ) ترفض مقابلة أمراء الجنوب العربي . [c1]نشاطه السياسي[/c]والحقيقة أن السلطان الشاب علي عبد الكريم السابق حاول بشتى الوسائل أن يشرح قضيته ويعمل على فضح مؤامرات بريطانيا في المحمية الغربية والمحمية الشرقية من خلال مشروعها الفيدرالي الذي يعمل على تكريس نفوذها و ترسيخ احتلالها للمنطقة . وفي هذا الصدد ، تقول الباحثة السعودية دلال الحربي : " واستمر السلطان ( علي ) رغم كل تلك العقبات يمارس نشاطا سياسيا معاديا للبريطانيين من القاهرة ... ورفع مجموعة من المذكرات ضد الوجود البريطاني في الجنوب ، وأسهم المشاركة في معظم المؤامرات العربية الدولية التي ناقشت قضية الجنوب اليمني . والحقيقة لقد كان السلطان ( علي ) جذوة مشتعلة بالحماس السياسي من أجل توضيح قضيته العادلة ضد بريطانيا .[c1]الأسباب الحقيقية لعزله[/c]وعندما صدت كافة الأبواب العربية في وجه السلطان علي عبد الكريم ومن بينها جامعة الدول العربية ، فشعر بالإحباط من تخاذلهم في الوقوف معه في قضيته العادلة ضد بريطانيا . فعاش في مصر عبد الناصر . وهنا ربما مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام دلال الحربي عن لجوء السلطان علي إلى القاهرة , وبقاءه فيها , إذ تقول : " ولم يجد السلطان علي أثر تلك المواقف المحبطة بدا من البقاء لاجئا سياسيا في القاهرة.. في حين ظل محتفظا بلقب سلطان لحج ، إلا أنه فقد لقب فارس الإمبراطورية البريطانية. وتلخص دلال بنت مخلد الحربي الأسباب الحقيقية وراء خلع بريطانيا للسلطان علي عبد الكريم فضل ، وإحلال محله السلطان الجديد فضل بن علي ، فتقول : " ومن المؤكد سحب الاعتراف بالسلطان علي جاء نتيجة لعدم موافقته على الانضمام إلى الإتحاد الفيدرالي ، وأنه لم يكن بسبب علاقاته بدول أجنبية ، ويبدو أن البريطانيين استخدموا مسألة العلاقات ذريعة إلى سحب الاعتراف به " . [c1]الهــــــــوامــــــــش :[/c]دلال بنت مخلد الحربي ،علاقات سلطنة لحج ببريطانيا ( 1337 ــ 1378 هـ / 1918 ــــ 1959م ) ، الطبعة الأولى ، سنة 1417 هــ / 1977م ، جامعة الرياض ، المملكة العربية السعودية . حسن صالح شهاب ،العبادل سلاطين لحج وعدن ( 1145 ـــ 1380 هـ / 1732 ــ 1959م ) ، مركز الشرعبي للطباعة والنشر والتوزيع ، صنعاء .الدكتور محمد عمر الحبشي ،اليمن الجنوبي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، ترجمة الدكتور إلياس فرح والدكتور خيل أحمد خليل . الطبعة الأولى ، آذار ( مارس ) 1968 م ، دار الطليعة للطباعة والنشر ـــ بيروت ـــ .شفيقة عبد الله العراسي ،السياسة البريطانية في مستعمرة عدن ومحمياتها ( 1937 ـــ 1945 ) ، الطبعة الأولى 2004 م ، جامعة عدن للطباعة والنشر ، عدن ـــ الجمهورية اليمنية .