عبد الجبار باجل الذي يهمنا هنا هو الشكل الحميني المتمثل في أعمدته المبيتة والموشحة مبتدئين بالمبيت الحميني الأحادي ذي القافيتين كما يسميه البعض والمبيت الأحادي متعدد الشطرات كما أسميناه ، ثم المبيت الثنائي تعريفه وحالاته التي ورد عليها مفندين الاتهامات التي وجهت إليه، وبعده المبيت الرباعي والرباعي متعدد الشطرات ،ثم سنختتم موضوعنا هذا بإذن الله بالموشح الحميني تعريفه وما قيل عنه مع استعراض موجز لخصائص الموشح الاندلسي وكل ذلك سيكون من حيث الشكل فقط حتى يتجلى للقارىء الفرق بين النوعين وذلك كما يلي : [c1]1 ) المبيت الأحادي[/c] ولعله هنا من الأهمية بمكان أن نبتدىء بهذا النوع من المبيت الحميني لأن هذا النوع بالذات هو الذي أحدث اللبس ووقع من خلاله الإنزلاق عند المتأخرين في تسمية الأنواع الأخرى من الشعر الشعبي والعامي في اليمن بالحميني ، "لانه لايفصل بين أحد أنواعه الذي اسميناه المبيت الأحادي ثنائي الشطرات" وبين سواه من اصناف الشعر الشعبي غير الحميني سوى خيط رفيع رقيق يكاد لايلحظ إلا لمن له دراية وتغمست روحه بعبير هذا اللون من الشعر .وصحيح أن هذا النوع من الشعر الحميني يأتي على النمط التقليدي للقصيدة العربية الفصيحة التي تتكون أبياتها من صدر وعجز ، مما جعل الدكتور عبدالعزيز المقالح يسميه (قصيد) "1" ولأنه تميز البيت فيه بقافيتين فقط أطلق عليه الدكتور محمد عبده غانم (القصيدة ذات القافين) "2" وعلى الرغم من ذلك فقد ورد هذا النوع من المبيت الحميني كما وجدناه بعدة أشكال كما سيأتي ولها خصوصيتها التي تفرض عليك ان تسميها حمينية من خلال تعدد شطرات البيت الواحد في المبيت الأحادي ومن خلال ايضاً نكهتها التي تستشفها ذائقتك الشعرية من سياقها الموسيقي والتعامل المتميز في القصيدة الحمينية مع مفرداتها العربية الفصيحة الضالعة في قاموس اللغة وغير الشائعة التداول وتطويعها ببراعة فائقة وبأسلوب لهجوي يكسبها نماذج من المبيت الأحادي متعدد الشطرات :من خلال هذه الالماحة السريعة برفقة بعض النماذج الشعرية لهذا النوع الحميني يتضح لنا أن أهم ما يتميز به كالتالي :1 ) اتخذ اشكالاً متعددة من حيث تعدد الشطرات في البيت الواحد والتزامه بها في نفس واحد إلى نهاية القصيدة .2 ) إن البيت في هذا النوع من المبيت الحميني يتكون من سطر واحد .3 ) الغالب عليه استخدام مفردات فصيحة مطوعة باسلوب لهجوي مع عدم التزامه بحركات الإعراب في اواخر الكلم .. ، بالاضافة إلى عدم خضوعه لبحور الخليل .. وشأنه في ذلك شأن الشعر الحميني في بقية اشكاله . [c1]اشكاله وهيئاته :[/c]1 ) مبيت أحادي ثنائي الشطرات :هذا النوع من المبيت الاحادي يتخذ شكل القصيدة الفصيحة على النمط التقليدي للشعر العربي الفصيح الذي تكون وحدة النظم فيه من صدر وعجز ، وله قافيتان الأولى تنتظم صدر البيت والثانية تنتظم اخره ، وتسير القصيدة على وتيرة واحدة حتى نهايتها .وقد جاء هذا النوع على ثلاث هيئات :أ ) الهيئة الأولىتتساوى شطرة البيت في الصدر مع نظيرتها في العجز ومثاله :الى فتى العلم من جهله xxxxx والجهل أغلب على الفتيانمن الصغر سابق الجله xxxxx فكان له السبق في الميدانفكيف لا والحسين أصله xxxxx وبالاساس تشمخ البنياننظمت هذا الحميني له xxxxx عاني وفنيت فيه أفنان بعده جوابه وهو قبله xxxxx في رتبة الحسن لا الازمان .. "1"[c1]ب ) الهيئة الثانية[/c]مساحة شطرة البيت في الصدر أكبر من نظيرتها في العجز ومثاله :في قصيدة المفتى الثالثة بهذا . وقد أكثر منه القاضي عبدالرحمن الانسي في ديوانه الذي منه الرفق واناظم الشعر الحميني بدامي xxxxx جرح الغرام الوجع لم تطلع ما فعل بي منشده في المقام xxxxx و ربك المطلع على شجوني بانشاده وشدة هيامي xxxxx و دمعي المندفع ياما لشعرك وياما للدموع الهوامي xxxxx وللفؤاد الولع فالوجد من سامعه في الخد والشوق نام xxxxx والملتئم منصدع "2"[c1]ج ) الهيئة الثالثة[/c]مساحة شطرة البيت في الصدر أقصر من نظيرتها في العجز .ويبدو أن هذا النوع يكاد أن يكون في الاغلب معدوماً من دواوين الشعر الحميني إلا في النادر والقليل لايتجاوز عدد اصابع اليد أن وجد في بعض الدواوين مثل "ديوان" " زمان الصبا " لأحمد عبدالرحمن الانسي و" ترجيع الاطيار " للانسي الاب واخترنا له مثالاً من "زمان الصبا" هوكالتالي وفيه همس عجيب هو أقدر في البوح عنه مني :تعال شاقل لك xxxxx امانة يامنى قلبي ويسير أو علموك اهلك xxxxx تعذب صب في حبك أسير ماسخاك بي أهلك xxxxx مع أني على شفك اسير واصبر على فعلك xxxxx مافعلك بمملوك يسير والقلب في ملكك xxxxx ولاهو قط من سفحك يسير ماميله مطلك xxxxx ولا أغراه في حبك مغير [c1]2 ) مبيت أحادي ثلاثي الشطرات[/c]يتكون البيت فيه من سطر واحد تكون وحدة النظم فيه من ثلاث شطرات وهذا النوع يكاد يكون معدوماً إلا في النادر عند المتأخرين امثال الشاعر (محمد أحمد ناصر الزبيدي) و معاصره (جابر أحمد رزق) اللذين تميزا بكثرة التعامل مع هذا النظام البيتي للمبيت الحميني ، ومن النماذج التي وردت في ديوان الشاعر (جابر رزق) "زهرة البستان" اخترنا هذا النموذج الثلاثي الشطرات للمبيت الأحادي : ـ(1)يامن حباك الله تقبل من تعذر واعترفحماتك الانصار منهم سائر الروم ارتجفقولوا لمعسول الثنايا ما على الدنيا اسف(2)يامن يقينا لايؤاخذ من هناوكل من والاك من اهل الوفاء لايذكر المخلوق إلا بالوفاء(3 )صلي عليك الله ياعالي الشرفتشريفهم عالي على رؤس الشرفقف هاهنا وانظر إلى ماقد وكف 3) مبيت أحادي رباعي الشطراتيتكون البيت فيه من سطر واحد تصل عدد شطراته إلى اربع شطرات : انظر النموذج الذي مر معنا في القصيدة الاولى لـ "محمد أحمد ناصر" ومطلعها :(1) يادائم الفضل يارحمن صلي على أحمد (2) الرسول الختام (3) من جا ءنا بالرشاد() بحر الصفاءوالوفاء 4 ) مبيت أحادي خماسي الشطراتيتكون البيت فيه من سطر واحد تصل عدد شطراته إلى خمس شطرات .انظره ايضاً في القصيدة الثانية للشاعر نفسه ومطلعها :(1) ازكى الصلاة ثم السلام (2) من ذا الجلالي(3) تغشى الرسول المقرب(4) والآل والاصحاب من جا ءنا بالهدى(5) من ذوق الاعداء وقع الصوارم5 ) مبيت أحادي سداسي الشطراتيتكون البيت فيه ايضاً من سطر واحد تكون وحدة النظم فيه ست شطرات كما هو نموذجه في القصيدة الثالثة للشاعر نفسه ومطلعها :(1) عالم الاسرار (2) يارحمن(3) فضلك علينا شامل(4) رب نرجو العفوعنا(5) ياجزيل المواهب(6) بالذي قدر قاونا جاك وهنا نقف عند هذه الظاهرة الشعرية التي تعد تطوراً ملحوظاً في شكل المبيت الأحادي متعدد الشطرات تحسب للشاعر محمد أحمد ناصر الذي شاع عنه هذا النظم واشتهر به ويطلقون عليه منشديه بالمطولات لانها تحتاج إلى نفس طويل عند ادائها الذي لايقدر عليه إلا فنان أو منشد متمكن .الامر الذي يعد اعلاماً صريحاً من القصيدة الحمينية التي ترفض التقوقع أو الشرنقة وتأبى ان تظل حكراً على نظام واحد حتى لاتصاب بالتبلد أو الجمود ، ولذلك فهي في تطور مستمر ابتداء من أول شاعر حميني عرفناه في المائة السادسة للهجرة "الحكاك" وحتى مطلع المائة الثالثة عشرة للهجرة والاضافات الملحوظة لازالت تطالعنا ، وهي بذلك تعكس الروح الفنية المبدعة عند اليمنيين التي تسير جنباً إلى جنب في عملية تناسق وتلازم لاينفك بعضه عن بعض عن أي لحن يبتدعه الشاعر الذي هو يحمل روح فنان بارع ليخترع له النفس الذي يتسع للمساحة الصوتية للحنه شعراً في اطار الثوابت لنظام النوع الذي يتعامل معه من أنظمة القصيدة الحمينية مبيتة كانت أم موشحة وخلاصة القول ان الشكل أو الاسلوب التعبيري لأي عمل أدبي لايقل أهمية عن الجوهر أو المضمون في هذا العمل .. فوصلت إلى اعالي القمم مشكلة أفاقاً تلقي بظلالها على أكبر مساحة زمنية ممكنة .. مؤكدة من خلالها تلك العلاقة الحميمة بين انسانها وما ينطوي عليه من تداعيات واستجابات وبين مظاهر الحياة التي تنعكس في نفسه لتنبعث مشعة من قناديل اسراره التي أودعها الله فيه مصدر الهام وشريان اتصال يحدد طبيعة علاقته بالحياة وعلاقة ماحوله به .وبنظرة سريعة على الاطار العام للمبيت الحميني ومن خلال الاستعراض السريع لبقية اشكاله على نحو مامر معنا بأحد انواعه وهو المبيت الأحادي .. سيتبين لنا أن القصيدة الحمينية بمختلف اشكالها وبكل المقاييس النقدية ـ رافداً من روافد الشعر العربي بلغ شأواً بعيداً من الجمال والجودة وحسبنا ان نشير إلى هذا الجمال الخالص في التشكيل الموسيقي.والزخرفة وفي المقومات الوزنية النابعة من الاحساس بالجديد والطريف بالتعبير الذي هو قوة الحياة ولب المتعة والاستمرار مبدعة خلاقة ـ فكانا القصيدة وكانتهما .. الانسان باهوائه وطموحاته ونزواته ،والطبيعة ـ الأرض ـ بايحاءاتها وبعد افاقها ، والقصيدة بوشائجها وامشاجها ودلالاتها ، فجاءت منسبطة مساحاتها كإنبساط السهل ، متدرجة فقراتها كتدرجات الجبل ، لها حنجرة طائر وانفاس النسيم ولها تأود البان وقامات النخيل ، عنقاء كالغزال حوراء كالمها بريئة كروح الطفولة .. وحالمة كفتاة الجنان :فويتنه في خدها وردها ×××× سو يحره هاروت من جندهامن مزحها لاقت وفي جدها ×××× أفدي بروحي جدها والمزاحبـيـتجنائية مثل القمر حورية ×××× تزري بحور العين فردوسية
|
ثقافة
الأصول الفنية لنظام الشكل في القصيدة الحمينية
أخبار متعلقة