.jpeg)
عن الصديق العزيز علي عوض واقص، الذي وافته المنية في مدينة عدن قبل أيام أتحدث. ذات عدن التي ولد فيها وتعلم، المدينة التي شهدت طفولته، واغلب سنوات حياته، وعاصر كافة تحولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الإنجازات والإخفاقات.. الأحلام والكوابيس..
البداية والنهاية
وبالرغم من نشأته العسكرية تلميذا في الشيخ عثمان، و في مدرسة أبناء الجيش “الليوي “، ثم التحاقه بالمؤسسة العسكرية مبكرًا، و حصوله على دورات تدريبية في ممباسا والمملكة المتحدة، وعمله لفترة في القوات المسلحة بعد الاستقلال في دائرة التموين، لكن روحه المرحة، وطبيعته المدنية التي نشأ عليها أوحت إليه أنه لايصلح للعمل العسكري، وشدته إلى العمل المدني فكان اختياره العمل في طيران اليمن الديمقراطي ( اليمدا ).
عاش علي واقص تقريبًا كثيرًا من تحولات مدينة عدن خاصة في السنوات التي سبقت الاستقلال، وكل مراحل الدولة الوطنية بكل تحولاتها العاصفة.. أعوام الثورة والاستقلال..سنوات الحلم والعنفوان، وسنوات الصراعات والدم وانكسار الحلم، وسلم من كل هذا بسلامة الرأس، و”سلامة الرأس فائدة” كما يقال !
بالرغم من بنيته، كان أودع من طفل، لاتراه إلاّ مبتسمًا وضاحكًا في وجه تعاسات الدنيا من حوله، وكنت أعتقد إن علي واقص سيموت يومًا من فرط السعادة والضحك. وكنت أسعد بلقائه واشعر بسعادة غامرة معه. وكان ثالث ثلاثة أحس عندما ألتقيهم، إن لم يكن الأول، فؤاد الشريف الفنان القادر على صناعة الضحك في كل وقت حتى في قمة الألم، وعوض باجناح التربوي القدير والإنسان. كانوا أشخاصًا حقيقيين تحس معهم أن الدنيا بخير، وهناك متسع فيها للفرح بعكس ماتوحي به. ومهما حاولت مجاراتهم في نظرتهم التفاؤلية لاتستطيع، لكن بإمكانك اغتنام لحظة سعادة خلال وجودك معهم..انهم نوع نادرون من الناس وجدوا ليضفوا مسحة أمل في نفوس أولئك الذين يتملكهم اليأس فيصبحون قادرين على احتمال الحياة !!
كان وكانوا يشبهون عدن في بساطتها، صفاء سريرتها، جمال بحرها، روعة أهلها، حبهم للنظام والقانون وللحياة والحرية.
عندما تناهى إلي خبر رحيله قبل أيام انسحبت في حزن عميق.. تذكرت ابتسامته، ضحكته، روحه المرحة، شخصيته المحببة من الجميع، عرفت أن علي عوض واقص مات، وماتت معه تلك الابتسامة والروح التي سنشتاق لها وله كثيرًا، كما نشتاق لفؤاد الشريف وعوض باجناح.. هذا ما أشعر به من الأعماق: كم ستفتقدين هذه الروح” أيتها البلاد التي نكست كل رايات الفرح ولبست حدادها وانتعلت أحذيتها القديمة التي أذلت فرحتها “!! بتعبير واسيني الأعرج...
لا أعتقد أن علي واقص كره أحدًا، ولهذا كان قادرًا على الفرح، وعلى إشاعة روح السعادة لكل من حوله، ولهذا أيضًا وأيضًا حظي بحب كل من عرفه من مختلف فئات المجتمع. لقد أصر على أن يكون ذلك الرجل - الطفل الذي يرمي مفاتيح الحزن في البحر دون كراهية.. الكراهية التي تأكل كل شيء.. ولهذا أظنه عاش ومات متسامحًا مع نفسه...
علي واقص.. أيها الراحل : لا أدري كيف احتملت الحياة في عدن كل هذه السنوات؟ الحياة وليس العيش ! وأنت حتمًا تعرف الفرق بين الاثنين.. بين الحياة والعيش. أقله كيف استطعت الاستمرار في الحياة؟! بدون محمد البيحي، ومحمد مخشف، واحمد سالم الحنكي، وجمال الخطيب، وزكي بركات، وفاروق رفعت، وفاروق علي احمد، و فاروق رفعت، وجعفر عيدروس، وكل تلك الكوكبة من الأصدقاء الذين رحلوا في لحظة جنون عبثية؟؟! كيف ؟ كانوا شبابًا في عمر الورد..آمنوا بالحلم وعملوا من أجل تحقيقه....كم هو السؤال صعب.. وكم هو الجواب أصعب. كم هو السؤال تأخر كثيرًا، ويصعب الإجابة عليه....
كنا جميعًا تحت وقع البهجة الجميلة بصنع جنة للفقراء في أقل زمن، حتى مع انعدام الإمكانيات وقسوة الواقع.. كنا نصدق كل كلمة يقولونها، إلى الحد الذي جعلونا نفكر مثلهم، نلبس مثلهم. شيئًا واحدًا لم يستطيعوا أن ينتزعوه منا، حبنا لعدن..ظل نقيًا، صافيًا كصفاء ضحتك، ونقاء قلبك الطيب، لهذا لم ننحدر إلى صراعاتهم الدموية وفي قتلهم لعدن !
وداعًا أيها الصديق.. ربما أدركت أخيرًا أن لاشيء يستحق الحياة، بعد أن تراكمت الهموم والمصائب على مدينتك عدن. ورحل الأصدقاء الطيبون واحدًا اثر آخر، فآثرت الاحتفاظ بابتسامتك إلى المكان الذي يستحق حيث الجنة.... الحقيقية والسعادة الأبدية!