
عند تعارض المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة، تشير القوانين والشريعة الإسلامية إلى أن المصلحة العامة تُقدّم، حيث يسقط الحق الخاص إذا تعارض مع الحق العام.
المعلم والمواطن معا يعانون ويلات شظف الحياة والفقر والجوع بسبب التدهور الاقتصادي، حيث أصبح الراتب لا يكفي مستلزمات الحياة والأسرة والأطفال، الراتب الذي لا يستلمه الناس بانتظام.
وعندما أعلنت النقابة الإضراب لثلاث سنوات لم تستطع الحكومة أن تلبي طلبات المعلم، ويعرف المتابع أنها لا تملك من أمرها شيئا، وأن الفساد ينخر جسدها، والتباين السياسي والصراع البيني أفقداها القدرة على السيطرة، وأجندات الخارج تقيدها، وصار الشرفاء فيها يواجهون معركة استعادة القرار والموارد وتعافي الريال، وهي المعركة التي بدأت تحقق انتصارات ولو ببطء، فهي تستدعي وقوف كل القوى الخيرة، وكل المظلومين والمطحونين من الأزمة، وكل التواقين لوطن الكرامة والعزة والشرف. معا سنحقق ما تحققه الإضرابات التي تشعبت وصارت تعطل حركة الحياة الطبيعية، تعطيل المدارس له أضراره الجسيمة على الجيل، كما تعطيل القضاء له أضراره الجسيمة على العدالة، وهكذا الصحة والخدمات الأخرى. فالإضراب وسيلة وليس غاية، الغاية هو أن نصلح أحوالنا، فالوسيلة إذا لم تحقق الغاية تتغير وفق متطلبات الغاية والهدف.
اليوم عجلة التغيير والإصلاح بدأت تدور، وعلينا أن نكون سواعد لتسارعها لتحقق ما نصبو إليه، فالإضراب اليوم يخدم أعداء التغيير والإصلاحات، فكيف نغير والمدارس مغلقة والقضاء معطل، صناعة الوعي وأدوات العدالة، هي أهم ركائز التغيير والإصلاح.
لم تكن حملة المجتمع وأولياء الأمور ضد الإضراب عبثية، بل كانت نابعة من شعور بالخطر الذي يداهم مستقبل أبنائهم ومستقبل الوطن، ولهذا الضغط شديد على السلطة المحلية وعلى النقابة، والحمد لله أنهم تفهموا المخاطر ورفع الإضراب.
رفع الإضراب قرار حكيم نابع من المصلحة العامة، هذه المصلحة التي تتطلب الاهتمام بالمعلم، حقوقه المعيشية ورفع مكانته الاجتماعية وتوفير كل سبل الحياة التي تصونه من السقوط وتساعده على أن يقدم رسالته على أحسن وجه. كل المطالب للمعلم وللمواطن لا تسقطها اتفاقيات المصلحة العامة، تبقى ملزمة للسلطة والحكومة، في إطار إصلاحاتها والتغيير القادم والدولة التي نصبو إليها.
كنا نأمل من الحكومة أن تبدي حسن نوايا مع المعلمين والمواطنين، في صرف رواتب شهري يوليو وأغسطس، لتساعد الناس في فرحتهم بفتح المدارس، معلم لا يملك قوت يومه ومواصلات العودة للمدرسة وأدوات العمل، ومواطن لا يملك القدرة على شراء مستلزمات الأبناء ليذهبوا للمدرسة بالزي والمظهر اللائق، بل جميعا قد لا يجدون ثمن «القراع»، وهذه مصيبة قد تتسبب في رد فعل أكبر يجعل المجتمع يتحالف مع المعلم، وتحدث ثورة تدفع بالأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
اسرعوا في توفير ما يمكن توفيره، لنفرح جميعا - معلماً ومواطناً - بفتح المدارس.