غير أن الأمر مختلف في كثير من البلدان النامية، وهي الحديثة العهد بالممارسة الديمقراطية، وتحضر فيها الكثير من العوامل الكابحة لهذا التوجه في الحكم، ومثل هذا الأمر حاضر بقوة في حياتنا السياسية، فكثيرون مع الأسف هم أولئك الذين يبحثون عن مكانة لهم في السلطة أو للاحتفاظ بها، أو لتحقيق مكاسب ومنافع خاصة بهم حتى وإن كان ذلك عن طريق المواجهة مع الآخر الجنوبي المختلف في الرأي والموقف، ويستخدمون في سبيل ذلك وبغباء وحماقة وتهور كل أشكال ووسائل الممارسات ( السياسية ) الخاطئة والفاضحة والمعيبة لهم، والتي تتمترس أساسًا خلف نوازع ورغبات خاصة، ويتخفون خلف حجج ومبررات لا تصمد أمام المنطق والحقائق، وبشعارات مضللة، وتدفع بشعبنا نحو جحيم الفتنة.
وسيكون أمثال هؤلاء سببًا في مأساة أخرى لشعبنا في الجنوب، وسيتحملون تبعاتها وحدهم إن حصلت لا سمح الله، وعليهم أن يتذكروا جيداً أن هناك طرفا ثالثًا كان دومًا حاضرًا في كل مآسينا وسيكون حاضرًا بقوة هذه المرة إن خرجت الأمور عن السيطرة، وهو الأمر الذي ينبغي منعه من الحدوث وتحت أي ظرف من الظروف.
ومع كل ذلك فإن ثقتنا بوعي شعبنا ومناضليه وبكل فئاته وشرائحه وطبقاته الاجتماعية ونخبه السياسية والإعلامية والفكرية، التي ستفشل وتتصدى وبحس وطني عميق لكل المحاولات التي من شأنها إشعال نار الفتنة، وسيبقى المستقبل هو الهم الحقيقي والأكبر لكل الوطنيين الجنوبيين الأحرار، لأنهم جميعًا وببساطة يتنفسون من رئة وطنية واحدة، وسيكونون معًا وسوية في محراب الوفاء لشعبهم ووطنهم وتاريخهم الذي يعتزون به على الرغم مما قد حصل فيه من أخطاء وخطايا، كان سببها المباشر والأساسي هو الجهل وحماقات الجهلة وحجم المؤامرات وتعددها، ودهاء المتآمرين وخبثهم - من الداخل والخارج - على الثورة والدولة ونظامها السياسي في الجنوب ومنذ اليوم الأول للاستقلال.
لقد سبق وأن عبرنا مراراً وكررنا الدعوة مرات ومرات بأن يتوقف الجميع أمام عبر الماضي وعظاته وأن نستخلص منها المفيد، وأن نتمثل دروسها الغنية جيدًا ونستحضر معها فواجعها وكوارثها وذكرياتنا الأليمه الناتجة عنها، وأن نجعل منها جرعة للمناعة التاريخية، بحيث لا نستسلم للماضي الذي يراد لشعبنا في الجنوب أن يعيشه جحيمًا أبديًا وبما يحرمه من نعمة الأمن والاستقرار الدائم، وتغيب عنه كل عوامل البناء والازدهار الذي يستحقه شعبنا، وهو الذي يملك كل مقومات النهضة الشاملة وفي كل المجالات.