كما أنه من المؤكد والمثبت عملياً فاعلية الصوم في صفاء وتنشيط الذهن وتوسيع المدارك وصقلها، هذا إلى جانب فوائد غنية وخصبة متجددة ينالها الصائم وجدانية وروحية ونفسية وفكرية. والسؤال المهم الذي قد ينشأ ويتبادر إلى الذهن هو هل أي صوم يقوم به الإنسان يمكن أن يؤدي إلى كل تلك المردودات والمنافع التي أتينا على ذكر جانب منها؟ أم أن هناك صوماً بعينه يستطيع ذلك؟
الحقيقة أن مثل هذا السؤال الصائب والمنطقي. قد وضع العلم والعلماء اليوم ومازال أمام تحد للإجابة عليه مكتشفين أن ما توصلوا إليه من إجابات مقنعة ودقيقة حتى الآن ليست سوى بعض من جملة الإجابات التي سبق أن أجاب عليها وبينها بدقة متناهية الدين الإسلامي في القرآن الكتاب المنزل من عند الله ، وعلى لسان سيدنا محمد بن عبدالله النبي المرسل الذي لا ينطق عن الهوى قبل ما يقارب أربعة عشر قرناً مضت. حيث أشار القرآن بنصوص ربانية إلى أهمية الصوم ومكانته وأثره كقوله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) وقوله أيضاً ( وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) وقوله ما يبين وقته وزمنه ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
كما ورد في الحديث القدسي ما يبين أهمية ومكانة الصوم العالية عند الله بقوله ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).
ولا أدل على صدق وعلم رسول الله بفوائد الصيام وأثره على عمارة الروح والعقل والبدن من قوله ( الصوم جُنّة ) أي وقاية وستر من الأمراض والانحراف والشرور. وقوله صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا) في إبانة منه صريحة واضحة واثقة عليمة بأثر الصوم على صحة وسلامة الإنسان وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل) لما لهذا السلوك من أثر على خلق وآداب الصوم والتوازن النفسي والسلوكي الذي بالحفاظ عليه يزيد من فوائد الصوم ويوسع من دائرة مردوداته الصحية والنفسية على الصائم. وقوله أيضاً ( ماملأ أبن آدم وعاء شراً من بطنه ) وهو قول لا يصدر إلا عن مطلع عليم بأسباب ومصادر إيذاء الإنسان لنفسه.. هذه بعض الإجابات التي شغلت ومازالت علماء العصر الحديث الذين ما انفكوا بدراساتهم ومختبراتهم وتجاربهم وعلومهم يقتربون كل يوم أكثر من صدق وعمق ودلالات الصوم في الإسلام الذي سنحاول أن نجعله محور لقائنا بكم طوال شهر رمضان المبارك.