ورغم استمرار إقرار وإجماع بني البشر منذ القدم وإلى اليوم بقيمة وأهمية وأثر الصوم على حياة وسلوك وصحة الفرد والمجتمع والحياة بشكل عام. إلا أن طرق الإقبال عليه والإفادة منه ظلت تختلف من فترة إلى أخرى فإذا نظرنا إلى مراحل ما قبل الإسلام سنجد أن الصوم قد كان صفة خاصة بالدعاة والمصلحين والفلاسفة والنساك وأصحاب الرأي ليستمدوا منه القوة والصبر والجلد والقدرة على التأمل والإقناع لدى أتباعهم ومريديهم . كما فرض الصوم أيضاً على أتباع بعض الديانات كنوع من العقاب والتهذيب والامتحان لمدى إظهار إخلاصهم وتوبتهم واستقامتهم نفس الشيء نجده في المجتمعات ما بعد ظهور الإسلام من غير المسلمين الذين يقرون بفوائد الصوم ولا ينكرون مردوداته على النفس والعقل وتهذيب الروح والقدرة على التأمل. ويتبعونه في إظهار المقاومة والرفض والمطالبة بالحقوق والعدل كالإضراب عن الطعام مثلاً في السجون وخارجها.
وبهذا يكون الإسلام الديانة السماوية الوحيدة التي جعلت الصوم ركناً أساسياً من أركانها لا يستقيم الإسلام ولا يتم ولا يكتمل إلا به. واضعاً كل ما يشتمل عليه الصوم من فضائل في متناول كل فئات المجتمع المسلم إناثهم وذكورهم فقراءهم وأغنياءهم وجهاءهم وبسطاءهم لا يتميز ولا يمتاز به أحد على أحد أو فئة على أخرى، إلا في صدق الإخلاص والوعي به والاندماج فيه، واكتشاف أسراره وتمثل قيمه ليكون شاهداً على سمو النفس وطهر الروح ونقاء السريرة، بالآخرين والاجتهاد في مساعدتهم وإقالة عثراتهم، والاقتراب منهم وبث روح المحبة والوئام والتقارب والألفة بينهم.
وهكذا فإن ما خص به الله أمة الإسلام من قيمة ومكانة وتفضيل بفرض الصيام عليها.لا ليطمعهم بجزائه وثوابه لهم في دنياهم وآخرتهم . وإنما ليجعلهم مكلفين مساءلين عما ما يجب أن يقدموه في حياتهم من نموذج يظهر ويجسد مكانة الإسلام ودوره كدين ومنهاج وطريقة للاستقرار والأمن والبناء والإبداع والعدل والمساواة.