كما لا أدري كيف تنفر طويتي وتتبرأ دخيلتي من الادلاء ولو بأقل القليل من الارتياح والثقة بذلك النائب أو الوزير أو المسؤول الذي لا يجد تناقضاً ولا عيباً وهو يرتدي آلة القتل تلك كلما غادر سريره وباب منزله متوجهاً إلى اجتماع أو جلسة أو تشاور أو مبنى وزارته والجلوس خلف مكتبه ليصرف أمور الناس ويقضي بينهم ويتحمل مسؤولية توجيههم واحتلال موقع القدوة والنموذج بينهم كرجل دولة يعمل على ترسيخ قيم ومبادئ الأمن والاستقرار ورفض اساليب ومظاهر البربرية والتخلف، وما يرمز إليها أو ينتصر لها، ويقوم عليها كتلك الآلة القاتلة (العسيب) أو (الجنبية) التي يمده تمنطقها بمشاعر التفوق والتميز والمغايرة على من سواه.
اقول ذلك وأعترف به لا لأنني انحدر من محيط لم يتخذ يوماً من اقتناء وتمنطق واستعمال السلاحـ بندقية كانت أو قنبلة أو عسيباً ـ عنوان هوية أو مقياساً لرجولة أو دليلاً على ثقافة أو تحضر، وانما لأنني في حقيقة الأمر لم المس فرقاً بين ذلك المذيع (المثقف) أو النائب، والوزير والمسؤول المشار إليهم سلفاً وبين ذلك المخبول المثقل بالتخلف والعدائية والبغض، الذي عجزت طبائعه وسجاياه ان تأخذ بيده وتهديه إلى بدائل أرقى لردم هوة الخواء والقصور الماكنة فيه والتغلب عليها وتجاوزها بدلاً من التسربل والركون إلى وسائل القتل ليلتمس فيها القوة والمكانة ويستمد منها التفوق والنفوذ والذي لا تخلو ساعات ودقائق ايامنا من مشاهد تنقله راجلاً وراكباً وعلى كتفه أو بين يديه بندقيته وعلى خاصرته خنجره مخترقاً جموع الناس في المحافل والشوارع والأسواق وحتى المقاهي والمطاعم يستفزه أي منظر طبيعي يراه، ويظل يرمقه بكثير من التحدي والتشكك مؤكداً لكل من يراه استعداده للإقدام على أي فعل وحشي حيواني أحمق.
صحيح انه ليس كل من غير زيه وتخلى عن تمنطق بندقيته وخنجره قد اصبح مدني السلوك والمنطق.
والأصح أكثر هو انه ليس بمقدور كل من اعتمر آلة القتل من بندقية أو خنجر يستطيع أن يكون حضري السلوك والتعامل مهما ادعى أو حاول أو برر.