لكن المصيبة الكبرى أن يأتيك هذا الغثاء المتعفن؛ من رجال ونساء؛ يفترض أنهم أكاديميون .. إنها مصيبة بالفعل، ذلك أن هذا الآدمي يحمل أمانة، وشرف العلم، ويعلم خطورة ما يخرج من لسانه، وهل هو الحق، أم الباطل ؟ وبالتالي؛ هو مطالب ـ لذلك ـ بأن يسأل : هل الوطن ما زال ناقصاً حتى يأتي من يعمق من أعاليه العلمية؛ وضعيات الارتياب، والكراهية، وعدم الثقة في بنيان حياتنا الجديدة، الخارجة من أنقاض الكوارث، وبين المجتمع وقيادته؛ التي تتحمل مشكورة مسؤوليات تعجز عن حملها الجبال، وبين البلد وأصدقائه الذين ابتلاهم الله بنا ؟ وهل هذا الوطن المنكوب ـ على مدى تاريخه. بمثل هذه العقول المنحرفة ما زال ناقصاً، ومحتاجاً لأن نصفعه بكاذب جديد؛ يضاف إلى قائمة الكذابين الذين تعج بهم الدنيا، ويتكاثرون بيننا كالدود يوماً عن يوم ؟!
ثم ما الذي يدفع أكاديمياً ليتهاوى من علياء مكانته التي رزق بها من خالقه كأي عالم، ويحط بمقامه في وضع لا يحسد عليه، وفي مكان يعلم هو أنه لن يكون فيه الأول، ولا في ترتيب الألف، مثلما أنه لن يكون كذلك الأخير على الإطلاق ؟!
وحتى أكون واضحاً؛ فقد استمعت ـ مع ما أعاني منه من سكر وضغط وقلب ـ إلى آراء بعض الأكاديميين اليمنيين على هامش ندوة يفترض أنها علمية حول الدستور الجديد؛ الذي لم يرِ النور، ولم تتم صياغته بعد؛ وكان هدفي الاستفادة من آراء كوكبة مشرقة في سماء العمل السياسي، من مشكاة أكاديمية؛ ولكن حلت خيبة الأمل؛ وأنا اسمع الباطل الذي عادة ما أصم أذني عنه، وبدأ قلبي يطعنني عقاباً لي على حسن ظني، ومغامرتي هذه التي عادة ما أحسب لها ألف حساب .
لقد ذهب البعض إلى اتهام رئيس الجمهورية بشيبته، وعمره الذي تجاوز سني التحفز للاستحواذ والسيطرة، والضم؛ بأنه قد عين لجنة محدودة الحركة والحرية ( أي أقلام بيد محرك ) لتخرج له دستوراً يلبي رغبته هو ، ونسي المتكلم، أو ربما تناسى ـ وهذا الأرجح بالنسبة إلى عالم سياسي ـ أن اللجنة تمثل قوى سياسية، ومدارس، ومشارب فكرية واسعة تمتد على طول البلاد وعرضها، وبما لايدع مجالاً للسيطرة، والتوجيه الفئوي خارج نصوص مخرجات الحوار، وإجماعه .
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ فقد أوردنا الصحراء لنشرب الرمال بدلاً من الماء؛ فأصبحنا ـ وعلى نحو لا يقبل التأخير ـ بحاجة ماسة إلى إجابة علمية، تفسر لنا المنطلق العلمي الذي ترتب عليه التشكيك في رجل يجازف، ويخاطر بتاريخه النضالي الطويل، وبما بقي من حياته ، وربما بأسرته العزيزة في ظل هذه الظروف العصيبة؛ من أجل أن يسجل معنا، وبنا فتحاً جديداً في سفر الثورة ؟
أصبحنا بحاجة ماسة لإجابة شافية عن سؤال لا بد منه : لماذا سوء الظن، وخصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، ولماذا الأحكام المسبقة، والمعلبة على بعضنا البعض، وقبل ذلك على رجل شائب، لا ذنب له إلا أنه أحب وطنه، ويضحي بكل شيء من أجل شعبه ؟ ألم يكن من الإنصاف انتظار النتائج حتى يكون التقييم ، والتقويم لهذا المشروع الذي لم يولد بعد ؟ أم تحوَّل العمل الأكاديمي عند أمثال هذا النموذج إلى ما يشبه الكهانة، وبالتالي الانحطاط إلى مستنقع الكذب الرخيص، والدجل، واالسقوط في منحدر تصفية الحسابات التي نحن ـ أقصد كل جماهير الشعب اليمني المنكوب بأمثال هؤلاء ـ في غنى تام عنها ؛ على الأقل في هذه المرحلة ؟
أما الآخر ( من هؤلاء المتكلمين الأكاديميين) فقد حكم بالإعدام على كل الجهود الحالية، والمستقبلية، وأعلن أنها باطلة، ولا يؤبه لها !! ولا مشروعية ، ولا مترتب عليها .
أما لماذا ؟ فقد تمخض الجبل الأكاديمي هنا؛ فولد كذباً أسود؛ مؤكداً أن البلد قد وقعت تحت الهيمنة الدولية بصدور القرار الدولي الأخير، المستند للبند السابع !! ولا أدري بصراحة أين كان عقل هذا المحسوب على العمل الأكاديمي ؟ أم يعتقد أن الناس جميعاً قد أصبحوا لا يملكون القدرة على التمييز؟! مع أني أجزم أن هذا الصنف ـ مثل كثيرين من المدلسين ـ يعلم يقيناً أن القرار الدولي جاء تلبية لضرورة، سببها العقول المنحرفة، المتلهفة لسفك الدماء، ونصرة وتكريس الطاغوت، والكهنوت، وتخريب مستقبل اليمن ووحدته، وإطفاء جذوة الثورة، ورياح التغيير، وقمع الإرادة الحرة لشعبنا اليمني، مثلما أنه. أي هذا النموذ- ج يعلم علم اليقين أن هذا القرار لا يمس البلد واستقلاله، ولا الشعب اليمني، وإنما يمس أفراداً ، وجماعات، هو أكثر من يأكل في موائدهم، ويعلم أنهم لا يمكن ( دون هذا القرار ) أن يقروا، أو يهدأوا حتى يحيلوا هذا الوطن إلى مآسٍ، وحروب دائمة تهدد بالتالي أمن واستقرار واقتصاديات كل دول المعمورة، ودون استثناء .
ترى هل يعيب، أو يضر استقلالنا أن يساعدنا أصدقاؤنا، ويحمونا ( ونحن الآن أشد ما نكون حاجة لمساعدتهم ) من عبث الثورة المضادة، المتحالفة اليوم مع تنظيم القاعدة المصطنع ( محلي وخارجي النشأة ـ محلي التسليح بامتياز ) وبالتالي يحمي المجتمع الدولي في إطار ذلك مصالحه في المنطقة ، ومع اليمن ؟ أين العيب في ذلك ؟ ثم ما هو البديل ؟! نبئونا بعلمٍ يا أهل العلم؟!
إن من المؤسف أن نجد هذا النموذج في صفوف صفوة الناس، ومَن يفترض أنهم بناة الأجيال، وصناع العقول .. هل يعقل هذا ؟! وإذا كان هذا هو الواقع؛ فبمن نثق إذن ؟!
[email protected]