ويبدو أن هذه القوى المتحالفة، الموتورة؛ بكل ألونها، وأمزجتها غير المتمازجة؛ ما عادت تستبعد شيئاً في محاربتها الثورة، ومنجزاتها، فمن العمل على شق عصا قوى الثورة والتجديد، إلى بث الفتن، والقلاقل، إلى هجمات القاعدة؛ التي لا قاعدة لها، ولا مبدأ، ولا دين، إلى ضرب شرايين الحياة الاقتصادية من نفط، وغاز، وكهرباء، ومنشآت، ومصالح، إلى رفع الأسلحة ( ومنها الأسلحة الثقيلة ) في وجه الدولة، وأجهزتها، إلى قتل المواطنين مدنيين وعسكريين دون ذنب سوى أنهم يؤدون واجباتهم كل في موقعه.
لقد دفعت هذه الحال القضاة ـ على سبيل المثال ـ إلى المطالبة الجدية بتوفير الحمايات الخاصة لكل فرد منهم، وهذا من حقهم إذا كانت المشكلة غير قابلة للحل السريع، وإذا كان الناس سيبقون في موقع المشاهد الجامد، العاجز، دون التفكير في الدفع بالمبادرات الإيجابية، الفاعلة، ولما من شأنه تلبية الواجب الوطني للخروج من هذا المأزق، أو على الأقل من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ كواجب ديني يلزم الكل، ولا يستثني أحداً، وإن كان الأمر على هذا النسق سيقودنا إلى ما لا يعقل، ولا يحتمل، ذلك أن الأمر سيوصلنا إلى كارثة حقيقية يوم أن يغدو كل فرد في المجتمع بحاجة إلى أفراد لحمايته من العصابات، والمليشيات، وسهام الاستهداف القبلي، والمناطقي، والطائفي، والسلالي .. وهكذا نصبح كما قال القائل : ( يا زعيمة جري الصنبوق، ويا صنبوق جر الزعيمة ) .
المؤسف أننا نرى ذلك، ونبكي منه، مع أننا نملك الدواء، ومع أن الدواء في متناول أيدينا، وإلا أسألكم : ألم يقر الجميع في مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي وقع عليه الكل استعادة الأسلحة المكدسة لدى المليشيات، من مختلف المسميات، وهي في الأصل منهوبة من خزنات الجيش والأمن ؟ لماذا تأخرنا في إغلاق هذا الشر، وإطفاء نيرانه ؟ وما الفرق بين أن يكون اليوم أو الغد ؟
وغير ذلك أسواق الأسلحة في عدد من المحافظات؛ التي تمثل تجمعات للمنهوبات، والمسروقات، والمهربات من الأعتدة، والأسلحة الخفيفة، والثقيلة، ومنها : المدافع، وراجمات الصواريخ المختلفة، والألغام، ولا يمكن أن ننسى صواريخ ( لو ) فهو ـ أي هذا الصاروخ ـ سلاح خاص، لا ينبغي أن يكون مبذولاً، ليحمل على سيارات بيجو، أو غيرها، من محافظة إلى أخرى، حسب طلبات العصابات المسلحة، وتجار الأسلحة، والمخدرات، والإرهابيين، والحشاشين، وغلمان ( الهرور ) ذلك أن النار ستعود إلى نحور رجال الدولة، وجيشها، وأمنها ..
وأعود فأسأل : لماذا ـ أيها السادة ـ لا نلزم الناس بما أقره الجميع ؟ ألسنا نسعى جميعاً لإقامة دولة النظام والقانون ؟ أي عدالة يمكن أن تتحقق في ظل غطرسة، ولعلعة نيران العصابات، واستقواء، واستكبار طغاتها ؟!
والحق أقول لكم : إن هؤلاء لا يريدون دولة، وإن كلاً منهم يسحب الوطن في جهته، وإلى طرفه، وما لم نستيقظ باكراً، وندرك مآربهم الشريرة؛ ونقف صفاً واحداً في مبادرات فاعلة، تحت قيادة خيار الثورة، فخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، فقد لا نجد أنفسنا إلا عبيداً، وأشباه عبيد، في غياهب سجون، وفي أصفاد القرون الوسطى، بل أشد من ذلك، وأطم وأظلم .
نحن لسنا ضد أحد أبداً، ولن نكون ببذاءة السفهاء، ودوشناتهم، وحموضة ألسنتهم على الإطلاق، ذلك أن كل إناء بما فيه ينضح؛ ولكنا نحذر كما هو واجبنا، وبما تقتضيه أمانة الكلمة، وحرصنا على وطننا، وحاضر، ومستقبل شعبنا، وأجياله القادمة .
إن من العبث أن ندس رؤوسنا في الرمال، أو نجرب مجرباً، أو نطحن ماءً !! وإلا أسألكم : لماذا ثار شعبنا منذ أربعينات القرن العشرين المنصرم ؟ ولماذا قدم ما قدم من التضحيات، وآلاف الشهداء، لماذا وضع أولئك الأبرار رؤوسهم، وقلوبهم في أكفهم، وحملوا السلاح في مواجهة الطاغوت والكهنوت الإمامي، لماذا قدموا دماءهم الزكية في ثورات : 1948م، و1955م، و1962م، ثم في 2011م عندما كاد البعض أن يئد الجمهورية، ويعود بالوطن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، هل كانوا يلعبون ؟ وهل من المعقول أن نسلمهم رقابنا اليوم بمحض إرادتنا ؟ ماذا تغير فيهم بعد أن تحول الذئب، وتطاول علينا، وصار وحشاً كاسراً؟ هل من المعقول أن نظل أيها السادة ننتظر المعتدين حتى تقع اللطمة، وتحل الظلمة، ثم بعد ذلك نبكي مصرع الثورة والجمهورية، والوحدة، وسقوط كل الآمال ؟!
وباختصار، وبكل الوضوح نقول : نحن نريد الجميع، ولكن في دولة اتحادية، منيعة، شامخة، عادلة، قوية، ديمقراطية، الكل فيها سيد، على قدم المساواة، وكأسنان المشط، مصان الدم، والمال، والعرض، وأن يكون السلاح في يد الدولة، والدولة فقط .. هل هذا خطأ ؟!
الكل يعلم أن هذا كله محل إجماع في نصوص مخرجات الحوار، ومحل تأييد دولي .. فلماذا نتهاون ؟ ولماذا نعمي أعيننا عن الحقائق، ويتحول البعض إلى ( طبالين ) و( دواشن ) في قصور الأوثان النتنة ؟ لماذا يحصل هذا في ظل كل ما نرى من الوضوح ؟ لماذا لا يتم ـ بدلا من العبث الذي يمارسه البعض ـ حشد وتنظيم كل القوى والطاقات جماهيرياً لمناصرة ودعم الأخ الرئيس؛ لتمكينه من الانطلاق الآمن للخروج من نفق هذه المرحلة المعقدة ؟ لماذا لا يتم توحيد الجميع لنصرة الوطن والثورة والتغيير تحت قاسمنا المشترك المتمثل بمخرجات الحوار؛ بدلاً من الضيق بالآخر، والتشنيع به مقابل توافه لا تذكر من أعداء الوطن التقليديين والجدد ؟ أليس هذا الضيق هو بالذات من أوقعنا في كل الكوارث السابقة منذ انتصار الثورة السبتمبرية ؟
إذا كان في هذا زيغ عن الحق، أو انتصار لباطل فنبهوني !! فالوطن أهم من كل السفاسف، والوطن الآن ينتظر منا عملاً لا كلاماً؛ ولكن .. ليخبرْني من يشاء : أين مكمن هذا الخطأ ؟ أو أين يكمن المستحيل ؟!