استند بعض السياسيين في قراءاتهم التحليلية التي ذهبت بالقول إلى إن التجربة التي اكتسبتها قيادات حزب شيوخ السياسة (فرع اليمن) من خلال تواجدها في سلطة الحكم، إضافة إلى هذه الأحداث العاصفة ببنيان التنظيم الدولي لشيوخ السياسة ، ستعين قيادات حزب شيوخ السياسة، على إعادة ترتيب أوراقها ومراجعة حساباتهم بدلا من هوس جنون السلطة والاستحواذ على مراكز صناعة القرار في البلد، وذلك من خلال اختلاقها المعارك والحروب الثأرية هنا وهناك مع خصوم وهميين لا وجود لهم على ارض الواقع. لكن الأيام عصفت بكل تلك القراءات- كما عصفت بالجماعة نفسها ودجلها على الشعوب- وأثبتت الأيام عكس ذلك تماما، فلا قيادات حزب شيوخ الجماعة استفادت من تجربتها السياسية في مشاركتها بأشكال وأنواع عديدة في الحكم، ولا هي استوعبت المتغيرات ومجريات الأحداث في المحيط الإقليمي والدولي.. بل إن ما تمارسه اليوم شيوخ السياسة في اليمن، ممثلة بحزبها من ابتزاز رخيص لا علاقة له بالسياسة نهائياً.. لأنه ابتزاز تجرد من كل المواثيق والاتفاقات التي وقعتها قيادة شيوخ السياسة مع شركائها من أطراف العملية السياسية- الخصوم والحلفاء- وتنصلت من كل الوعود والعهود التي قطعتها على نفسها للمجتمعين- رعاة التسوية السياسية- الدولي واليمني، داخل مؤتمر الحوار الوطني وخارجه، بأنها سوف تتخلى عن توجهها الإرهابي في إلغاء الآخر للانفراد بالسلطة، وأنها ستغادر متاريس القتال وخنادق حروب الجاهلية الأولى.
ويعرف الجميع ان جماعة اليمن، تعهدت انها ستعمل جنبا إلى جنب مع رئيس الجمهورية وكل القوى السياسية في إنجاح التسوية السياسية وإخراج اليمن من أزمته وأوضاعه الراهنة. ففي الوقت الذي يثور العالم بشرقه وغربه منتفضاً على جماعة شيوخ السياسة، واجه الرئيس هادي هذا التحدي من خلال العمل في مسارين.. الأول تهدئة روع شيوخها في اليمن وتطمينهم بالا أذى سيمسهم ما دام وأنهم لن يعملوا في اطار المنظومة الدولية لشيوخ السياسة المتاسلمين، وأنهم سيعملون في اطار المنظومة السياسية والاجتماعية وفي اطار الوثيقة الوطنية التي اقرها مؤتمر الحوار التي تم اتفاق على ضمانات تنفيذها. وفي المسار الآخر، ذهب هادي يعمل جاهداً في التهدئة من غضب البركان العالمي ضد شيوخ السياسة في اليمن، كونهم جزءاً من المنظومة الفكرية والأيديولوجية لشيوخ السياسة (الجماعة) ، وأراد ان يثبت عكس هذه الرؤية، من خلال اقناع العالم بان جماعة اليمن ليسوا كغيرهم، بل ان شيوخ السياسة في اليمن من الممكن اصلاح اعوجاجهم حتى ولو كان أزليا.
وبدلا من ان يذهب شيوخ السياسة في اليمن إلى رد الجميل لهادي ويشدوا من أزره، وفي نفس الوقت يحسنون من صورتهم المشوهة لدى الرأي العالمي، أبوا إلا ان يبقوا على سيرتهم وطبيعتهم الأولى، وعقليتهم المتخلفة وملتهم المدمرة.. فعادوا إلى تارتهم الأولى وممارسة ثقافتهم التي تربوا في خنادقها واختبؤوا خلف متارس بندقيتها، يستمرون في إشاعة القتل والصراعات القبلية والمذهبية والحروب العبثية التي استنزفت قدرات اليمن وأزهقت أرواح الآلاف من خيرات شبابه وقدراته الاقتصادية ودمرت نسيجه الاجتماعي. ولان الرئيس هادي رفض ان يكون «دمية» بأيدي شيوخ السياسة ولم يوافقهم الرأي في الضغط على زناد البندقية وإيقاد شعلة فتيل المئة عام من حروب مقبلة لليمنيين ضد بعضهم، وإقحام الدولة والجيش في دورة جديدة من حروب عبثية مع الحوثيين، في الوقت الذي ما يزال حبر اعتذار الدولة عن الحروب الست السابقة ينهمر مداده، والجراح لم تندمل بعد. يدرك الجميع أن دور حزب شيوخ السياسة بأجنحته الأربعة( العسكري والعقائدي والقبلي والسياسي) في تلك الحروب مع الحوثيين والتي تحاول اليوم الرئاسة اليمنية العمل على لملمة جراحها- كان محورياً في اشعالها وفي فصول معاركها المأسوية، فضلا عن رغبته في أطالت أمدها وان تكون نهايتها بتلك الصورة التي آلت إليها.. في إضعاف سلطات الدولة وتدمير جيشها وفقدان نفوذها على معظم المحافظات الشمالية من البلاد، وفي المقابل كان من نتائج تلك الحروب انها قوت من شوكة الحوثيين، وزادت من توسعهم وسيطرتهم و نفوذهم، حتى صاروا يفاوضون الدولة من مركز قوة ويفرضون شروطهم ومطالبهم عليها.. وهذا ما كان يسعى إليه حزب شيوخ السياسة في ايجاد عدو للدولة حتى يكون سيفا مسلطا على رقبة اليمنيين يستثمرونه في ابتزاز دول المنطقة وتخويفهم بـ«البعبع» الحوثي، والحفاظ على مهنتهم كوكلاء حروب لتنفيذ مشاريع وسياسات هذه الدول بدماء وأرواح اليمنيين وعلى أراض يمنية.
ولان الرئيس هادي لم يكن كما أراد وخطط أجنحة ساسة وعساكر وقبائل شيوخ السياسة باليمن، ها هم فتحوا عليه عويل أبواقهم المسعورة يتصدرون- للأسف- الفوضى في طول البلاد وعرضها وإثارة المشاكل هنا وهناك بهدف إشغاله عن تنفيذ مخرجات الحوار والوفاء بما تعهد به للشعب اليمني والمجتمع الدولي بإخراج اليمن إلى بر الأمان. أمر تنصل قيادة حزب شيوخ السياسة في اليمن من الاتفاقات التي أبرمتها ومن تلك العهود والوعود التي قطعتها على رؤوس الأشهاد على ان تغادر ثقافة الكهوف ومنابر التحريض على الفوضى والتهديد بالعودة بالأوضاع في البلاد إلى المربع الأول، من خلال شق عصا الصف الوطني وحياكة الفتن ونسج المؤامرات وتأليب الرأي العام وتحريضه على اللجوء إلى الأعمال الإرهابية وإشعال الحروب.. واستهداف رئيس الجمهورية، الذي كان ويبدو انه لا يزال يراهن أمام الشعب اليمني والمجتمع الدولي،على إمكانية اصلاح اعوجاج حزب «شيوخ السياسة».. وعلى ان يعود هؤلاء إلى رشد عقلهم الزائغ- اليوم او غداً وليس بعده- لان الوقت ضيق ولا يحتمل المراوغة والانتظار.
وفي حال ظلت قيادة حزب شيوخ السياسة مشدودة إلى منهجية ضرورة الالتزام بتوجيهات وتوصيات المرشد(الأمير) حتى برزت على السطح ظواهر حب الذات ومصالحهم الحزبية والمسارعة في إزاحة بقية القوى من المشهد السياسي والاستيلاء على مفاصل صنع القرار في البلاد، من خلال قوائم وكشوفات الاقصاءات للشركاء والحلفاء من الوظيفة وفق معايير خاصة بها مجردة من كل المبادئ وعرف العمل السياسي والأخلاقي، لم تراع فيها حتى حق من تعتبرهم شركاءها في تكتل احزاب اللقاء المشترك، الذين عملت على إقصائهم من كل قوائم التعيينات التي تناضل على إصدار قرارات لها في كل مرافق الدولة على المستويين المركزي والمحلي، وآخر هذه القوائم، قائمة محافظة اب وحدها، التي تضم (65) وكيلا ومستشارا ورئيس جامعة وعمداء كليات ومدراء عموم مكاتب تنفيذية ومدراء مديريات.. والكشف بالطبع كدفعة أولى من كوادر حزب شيوخ السياسة قدمته قيادة الحزب الأسبوع قبل الماضي، لاستصدار قرارات جمهورية ووزارية بها، في محافظة اب وحدها. وهذه واحدة من المثالب التي سارعت بسقوط شيوخ السياسة هناك في كل من مصر وليبيا والمؤشرات تلوح في الأفق بان الدور آتٍ - ان لم تراجع قيادات فرعي الجماعة- في اليمن وتونس.. وإلا فهو غباء شيوخ السياسة على الطريقة الاخوانية..!!.