وأنه « قد آن الأوان لوضع حدٍ حاسم لأعمال التخريب المضرة بالأمن والاقتصاد وبحياة المواطنين وخدماتهم الاجتماعية».
يبدو ان اللجنة الآمنية تأخرت كثيرا ، ومع ذلك يبقى هذا التحرك باعثاً للأمل ، فأن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي. ذلك أن الوقت قد حان للتعامل بحزم مع هذه الاختلالات منذ بداية المرحلة الانتقالية. وكان يمكن لإدراك ضرورة التحرك أن يجنب اليمن خسارة تقدرها الجهات الرسمية بأربعة مليارات دولار ، فيما تقول مصادر أخرى أنها تصل الى سبعة مليارات دولار، وهي الخسائر الناتجة عن تعطيل ضخ النفط بسبب تفجير الأنبوب الذي أصبح مهنة قائمة بحد ذاتها، ولا يظهر من ممتهني تعطيل الأنبوب والكهرباء سوى الفاعلين المباشرين ، فيما السلسلة طويلة ومتشعبة ولها أرصدة بنكية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات ، وهو ما أكدته اللجنة الامنية التي أفصحت هذه المرة عن نيتها ليس فقط إرسال الحملات الأمنية لملاحقة مخربي الأنبوب والكهرباء في مأرب بل و «محذرةً كل من يتعاون أو يساعد أو يؤوي تلك العناصر الاجرامية ، بأنه سيتم الحجر والتحفظ على ممتلكات عناصر التخريب في أمانة العاصمة أو في أي محافظة من محافظات الجمهورية».
لماذا تمت هيكلة الجيش !! ولماذا كل ذلك الإلحاح الشعبي على انجاز هذه المهمة ؟؟.
طبعاً ليس من أجل أن نتصور بجانب الجيش المهيكل ، ولكن من إجل انجاز مثل هكذا مهمات وطنية ، كالتصدي لمخربي أنبوب النفط وخطوط نقل الطاقة الكهربائية ، وليس إطلاق القذئف باتجاه مجالس العزاء كما حدث في الجريمة البشعة في الضالع.
وخروج مثل هذه الحملات للجيش الى مأرب يذكرنا بضرورة التهيئة للحوار والحلول التي ستنتج عنه، والتي بٌحت الأصوات طوال عامين من أجل المطالبة بتنفيذها ، وهي التهيئة التي تشمل حضور الدولة واعادة انتظام الخدمات المعيشية والأمنية من جانب ، وتنفيذ خارطة طريق في الجنوب تشمل تنفيذ النقاط العشرين أو أي نقاط تؤدي الى إعادة الحقوق لأصحابها والمسرحين والمقصيين الى وظائفهم والأراضي الى مالكيها.
في أي قضية معقدة ومتراكمة مثل القضية الجنوبية لا تكون الحلول النهائية ممكنة ما لم تسبقها خارطة طريق تمهد لها بسلسلة من الاجراءات التي تعيد للمزاج الشعبي الثقة بالدولة وتصنع وضعاً جديداً يلمسه بنفسه في قسم الشرطة والمحكمة والجهات الخدمية والإجراءات اليومية للجان المعنية بالتعاطي مع الملفات الجانبية للقضية ذات الطابع الحقوقي والمطلبي. حينها فقط يمكن أن يبدو الحل المتعلق بالشراكة السياسية موثوقاً به ، سواء جاء بصيغة أقاليم ، أو غيرها.
وبدون ذلك ستبدو الوثائق النظرية بما فيها الدستور المنتظر حبراً على ورق ، وفي أحسن الأحوال ستبدو معالجة لمواقع ومصالح النخب المتنفذة في صنعاء وعدن، وهي نخب سياسية مهيمنة على المشهد السياسي اليمني منذ أربعين عاماً ، مهيمنة أيام التشطير وبعد الوحدة، وقبل الحراك وبعد الحراك ، والفرق الوحيد أن متنفذي صنعاء استمروا في حصد خيرات اليمن الى جيوبهم بعد جريمة حرب 94، فيما خرجت «القيادات التاريخية» بعد عقد ونصف العقد
من العواصم المجاورة لتعيق الحراك عن إفراز قيادات جديدة تتجاوز «القيادات التاريخية».
دائماً ما يخطر على بالي هذا التساؤل المزدوج في الأشهر الأخيرة : لماذا لم تتمكن الثورة الشعبية في 2011 ، والحراك الجنوبي قبلها من إفراز قيادات جديدة تتجاوز « الطبقة السياسية العتيقة المتمثلة بالمتنفذين في صنعاء و القيادات التاريخية في الجنوب» !!.
مع ملاحظة أن الفرصة كانت قائمة أمام الحراك بنسبة أكبر، بخروج هذه القيادات من المشهد في 94 ، وقيام الحراك كحركة جماهيرية شعبية بمعزل عن هذه القيادات التي خرجت لتزج بالقضية الجنوبية في الاستقطابات الإقليمية !!.
فيما « متنفذو الشمال» كانت إزاحتهم أصعب لأنهم على الأقل بقوا مهيمنين على مصادر السلطة والقوة والثروة بشكل منفرد عقب حرب 94 المشئومة !!.