فقال سبحانه {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} ومع ذلك ما فتئ كثير من الناس يزكون أنفسهم ويدعون ان الخيرية معهم دون باقي البشر وعلى وجه الخصوص دون باقي المسلمين، ولايزال بعضهم يقول نحن أصحاب الحق وغيرنا هم أهل الباطل، يقولون كما قال الشيطان سابقا: أنا خير منه، لذلك فانهم يتبعون الشيطان في تعاليمه التي قال فيها بلسان الحال لا المقال: يباح لك أيها الإنسان أن تكون أمينا وصادقا ومهذبا ومخلصا، ولكن فقط مع نفسك أما من هم خارج «أمتك» فقد خلقهم ربك من أجلك فمباح لك ان تستخدمهم كما تستخدم الخُف الذي تضعه في قدمك، مباح لك ان تكذب عليهم وتخونهم وتستعبدهم ثم يباح لك ان تقتلهم.
في أعماق كل واحد منا مساحة «اللا شعور» التي تختزن ما وقر في خيلاء الرجل، وفي هذه المساحة تدخل الحكايات والأخبار والأنباء والمعارف فتختفي، ثم تظهر هذه الأشياء في صورة تصرفات يستطيع الطبيب النفسي حين يخضعها للتحليل ان يعرف دوافع هذه التصرفات، وكما الأفراد تكون الجماعات، حيث تخلق لنفسها مساحة غير مرئية تختفي فيها بعض الأفكار والأنباء، ولكنها وبدون قصدٍ أو تعمدٍ منها تظهر في صورة تصرفات، فاذا ما صادفك أي تكوين انساني يتدثر أمام الناس بالفضيلة والغايات النبيلة والقيم الروحية الأصيلة ثم يمارس أفراده الكذب والخداع والتزوير على العامة الذين لا ينتمون اليهم، ويتفانون في إهانة الكرامة الانسانية لمن يختلف معهم في الرأي، أو حتى لمن يشتط في الخلاف معهم فاعلم ان الدافع لهذه التصرفات- المغايرة للقيم الظاهرة التي يدعون لها- بعض أفكار مستترة ومخفية في منطقة تحرص الجماعة على ألا تكون بادية للعيان.
ومن الأفكار المستترة المختزنة في ضمير الاخوان فكرة أنهم الجنس الأرقى عقائديا في العالم وأنهم أصحاب البلورة الإسلامية الماسية التي ستحقق لهم كل أمانيهم، هي جماعة عنصرية تزرع في قلوب أعضائها المشوهين نفسيا أنهم أصحاب النقاء العقائدي، ومن أجل ذلك تنهض لديهم فكرة أخرى هي «الغاية تبرر الوسيلة» ولذلك فانها نظرت للثورة المصرية لا على أنها انتفاضة وطنية تسعى لاقرار حكم صالح، ولكن نظرت لها على أنها وسيلة للقفز على كرسي الحكم، لم تقرأ الجماعة «الثورة» قراءة صحيحة، ولم تنظر لها على أنها كائن اجتماعي له حاجاته وأفكاره وتصوراته، والحقيقة ان الشعور بالثورة وقراءة مفاهيمها ومن ثم ممارسة هذه المفاهيم ليس شيئا ترفيا، اذ لابد في الثورات ان تحدث ثورة داخلية في المؤسسات والهيئات، ومن لم يستنشق عبير الثورة يعش أبد الدهر بين الكهوف، تسبقه الأحداث والأزمان، والثورة فرصة، والفرصة لا تتكرر، ومن لا يرى القطار فلن يستطيع ركوبه من أبوابه المشرعة اذ سيكون وقتها تحت قضبانه، واذا كان لكل زمن فكرته ولكل واقع ما يناسبه، فان واقع مصر الحالية يختلف عن واقعها السابق، لذلك فان الذي يقف مكانه جامدا على ظن منه ان الوقوف والجمود ثبات على الموقف، تسبقه حتما الأحداث والأفكار، حينها سيبيت نائما في دواليب التاريخ، وقد قرأت جماعة الاخوان ثورتنا على أنها فرصة العمر لها كي تقفز للحكم، كان الحكم هو مراد تلك الجماعة وغايتها الكبرى، ولكن مصر لم تكن من غاياتها أبدا.
ولأنها تظن أنها صاحبة الصواب المطلق والحق السرمدي لذلك لم يرد في بالها ان تسمع للرأي الآخر، فالرأي الآخر بالنسبة لها هو الباطل، ولم تعط للآخر فرصة ان يعبر عن نفسه لأنها لم تفهم أبدا أنها تضعف وتضمحل لو اكتفت برأي واحد ولون واحد، فالاختلاف قوة وصحة، وليس بالضرورة ان يكون الاختلاف تضادا أو المختلف عدوا، فمعظم الاختلاف تنوع، والتنوع يضمن حفظ النوع، ولكن وعي تلك الجماعة تشكل على ان نقد الجماعة هو نقد للإسلام، فأصبح صدرها ضيقا متبرما متأففا وهي تواجه المختلفين معها والناقدين لها، وقد ترتب على ذلك ان ضاعت عليها فرص ذهبية للتقدم والانطلاق والتلاقي مع كل القوى السياسية الوطنية، بل جعل من كل الشعب عدوا لها، هي التي صنعت العداوة، وهي التي تسعى الآن بكل قوتها وقوة تنظيمها الدولي الى اسقاط الدولة، ولكنهم سيعودون أدراجهم وهم يحملون خيبة الأمل، فمن يتبع نهج إبليس ليس له إلا أن يلقى جزاء إبليس.