محمد مرسي كان ممثلاً للجماعة كلها في هذه الانتخابات، كان ممثلاً لمشروعها الخاص، إلا أن هذا لا يعني أن ممثل المشروع هو من يديره، منطق الشركات التجارية هو الذي يحكم جماعة الإخوان في الحكم، فقد يكون رئيس مجلس الإدارة مجرد صورة فقط يرأس الجمعية العمومية، ويبرم بعض الصفقات العادية، ولكن الإدارة كلها تكون في الغالب الأعم “للعضو المنتدب” لذلك فقد أصبح لمصر عضوا منتدباً يديرها من خلف الرئيس.
جماعة الإخوان، وهي تروج لمرشحها، لم تقل إنتخبوا مرسي الفرد، ولكن قالت: إن ميزة مرسي الكبرى أنه مؤسسة، وأنه يعمل وفقاً لقواعد العمل المؤسسي، أما المشروع الذي يشغل بال الجماعة فهو مشروع “فتح مصر”، تمهيداً لدولة الخلافة التي هي المشروع الأكبر، لذلك فإن هناك مفارقة كبيرة في هذه الانتخابات، ففي الوقت الذي انتخب فيه الناخبون مرسي، انتخبوه من أجل مشروع مصر، ولكن جماعة الإخوان لها مشروعها الخاص، هي قدمت مرسي للرئاسة كي يساعدها على تنفيذ مشروعها الخاص، لا لكي ينفذ مشروع مصر المدنية الحديثة، الرؤيتان مختلفتان بلا شك، وهذا هو السبب الرئيسي في إشكاليات الحكم الحالية لاختلاف المشروعين واختلاف النظرتين.
مشروع “فتح مصر” هو المشروع الذي أطلقته الجماعة منذ سبع سنوات، وقتها أنكرته الجماعة حينما كشفه الأستاذ حمدي رزق في المصورـ وأثبت القضاء صحته فيما بعد ـ وقتها كان يحق للجماعة إنكاره لأن كشفه يترتب عليه كشف طبيعة الأفكار الدينية التي تعتنقها الجماعة، ولكن بعد الثورة واختلاط المفاهيم وعشوائية التفكير، اكتسبت الجماعة الجرأة على التعبير عن بعض أفكارها المخفية وعقيدتها التكفيرية المستترة، فوقف محمد مرسي في استاد المحلة وهو يشرح للجماهير مشروع الجماعة الفكري فقال : سنعيد الفتح الإسلامي لمصر، وفي مؤتمر آخر أمام مسجد عمرو بن العاص قال محمد مرسي للمرة الثانية: سنعيد الفتح الإسلامي لمصر!.
لم يكن أمر فتح مصر إذن من فلتات اللسان بل كان مشروعاً كاملاً وخطة متعددة المراحل، وها هي جماعة الإخوان تقف على أعتاب المرحلة قبل النهائية لفتح مصر ثم فتح العالم العربي كله، فمصر هي منطلقهم للسيطرة على المنطقة كلها.
يعني هذا المشروع أن جماعة الإخوان تعتنق فكرة أن الإسلام دخل مصر عن طريق عمرو بن العاص، ثم خرج منها في عصر ما، وأصبحت مصر دولة كافرة لا علاقة لها بالإسلام، ومن ثم يجب فتح مصر من جديد لإدخال الإسلام فيها، وجماعة الإخوان هي رسول رب العالمين المكلف بنشر رسالته في هذه الدولة اللادينية، ثم يمتد مشروع الجماعة إلى مرحلة أبعد من ذلك هي مرحلة إقامة دولة الخلافة التي تحدث عنها صفوت حجازي في أحد مؤتمرات مرسي والتي ستكون عاصمتها القدس، مصر إذن هي على هامش المشروع الإخواني، هي مجرد وسيلة أو أداة وليست غاية ترتجى لذاتها ولتاريخها ولشعبها، الوسيلة الإخوانية التي تؤمن بها الجماعة هي”تعبيد مصر”، هذا التعبير الإخواني قد يجهله معظم الناس، بل يجهله معظم من انتخب مرسي، ولكن هذا هو التعبير الذي كان يستخدمه الحاج مصطفى مشهور في لقاءاته مع أجيال الجماعة، وهو نفسه التعبير الذي سارت عليه الجماعة وجعلته “أيديولوجية” لها، وقد كان ظني في يوم من الأيام أن تعبير “تعبيد مصر” هو تعبيدها لله، ثم اتضح أن الإخوان يقصدون “تعبيد مصر لمشروع الخلافة”، أي تصبح عبدة لهذا المشروع، لذلك حينما استغرب الناس من عبارة “طظ في مصر” التي تفوه بها المرشد السابق مهدي عاكف، لم أستغرب، فما مصر إلا عبدة في عيونهم قد خلت من قبلها العبيد، أفإن شُتمت أو أهينت غضبتم من الجماعة !!.
النظرتان مختلفتان إذن، مصر ترى نفسها سيدة، مصر تتحدث عن نفسها، وقف الخلق ينظرون إليها كيف تبني قواعد الثورة وحدها، ووقف الإخوان ينظرون إليها على أنها عبدة لهم، وفي ظنهم أنه بعد أن تقع مصر في أسر عبوديتهم بشكل كامل ستستدير الجماعة إلى باقي العرب لتعبيدهم، ولكن لأن جماعة الإخوان لا ترى إلا نفسها لذلك فهي لم تنتبه للمثل القائل “من حفر حفرة لوطنه وقع فيها” والجماعة الآن على وشك الوقوع.