وفي بعض المنعطفات يجب على الإنسان أن يتوقف عن الكتابة حينما يشعر أن حروف كلماته سيكون حبرها هو الدم.
وفي بعض المنعطفات يتحتم على الإنسان أن يتوقف عندما يجد أن العِبارات توزن بعَبَرات البشر وأرواحهم.
وبعد توقف عن الكتابة تجاوز الثلاثة أشهر كانت شديدةً في معترك الأحداث، عميقةَ التأثير على أجيال مقبلة، أجد الأولويات تتزاحم في الذهن..
هنا «بقايا معركة» ولّت، وهناك «بوادر معترك» تُطِلّ برأسها..
هنا «دواعٍ» لمداواة جراح نفوس مكلومة، وهناك «نذير» يُحذّر من خطر تكرار التجريح لنفوس أخرى..
هنا حاجة مُلِحّة إلى تسكين «آلام العَرَض»، وهناك خطاب مطلوب لِتَلَمّس طريق معالجة «أصل المرض»..
أما «دواعي» مداواة جراح النفوس المكلومة فهي تستنهض آدميتنا الخاملة وتُنبّه إنسانيتنا الذاهلة إلى وجود شاب حمل صديقه على ذراعيه وهو يشهد قعقعة روحه في حالة النزع قبل أن تفيض إلى باريها، وطالب يغدو إلى جامعته ليرمق كرسياً كان يشهد ضحكه وهو ينازع زميله الراحل قطعة الخبز في وقت الإفطار بين المحاضرة والتي تليها، ومُجنّد يقف في نوبة الحراسة لموقع شهد فيه زميله يسقط مُضرّجاً في الدماء قبل أن يرتشف كأس الشاي، وضابط يحمل نعش مَن كان يشاركه السهر لحفظ أمن بلاده؛ وفي جميع هذه الحالات هناك لَوعة أُمٍّ ودّعت ولدها في الصباح لتُعانقه في المساء وقد خضّبت دماؤه جِيدها.
بينما «النذير» هو صرخة التحذير التي يُطلقها الشباب من تكرار الاستخفاف بحقّهم في أن يتأهلوا للمشاركة في تقرير مسار مستقبل مرحلة، سوف يرحل في منتصفها جيل سبقهم؛ ليدفعوا هم أثمان قراراته.
وأما «بقايا المعركة» فهي متعلقة بكيفية التعامل مع شريحة ترفض الاعتراف بحقيقة الهزيمة فتُسارع نحو هاوية مضاعفة الخسائر.
بينما تلوح «بوادر المُعترك» بين شرائح أخرى ترى كل شريحة منها أنها صاحبة النصر، وأنها وحدها من دفع ثمنه، وأنها الأحق بغنائمه.
وأما «آلام العَرَض» فهي مزعجة بصراخ مُدوٍّ من البطون الجائعة والأجساد المريضة والآمال الضائعة والمستقبل المجهول.
بينما تكمن خطورة «أصل المرض» في كونه عميقاً عمق الأرواح المُتعبة والقلوب المُثقلة والنفوس المشحونة والعقول المشتّتة.
وأخطر ما يَكتنِف هذا كله هو أن «لُبَّ» هذه القضايا مغفول عنه في زحمة الانشغال بسرعة تتابع الأحداث، وحجم التحديات العاجلة.
هذا «اللُّبّ» هو «قيمة الإنسان»..
عقله وقلبه وروحه.. أفكاره ومبادئه وحنينه..
فإن ثقافة التعامل مع الطوارئ ثقافة قاتلة للحاضر والمستقبل، وقد تعودنا لعقود، إن لم يكن لقرون، على ثقافة الطوارئ هذه..
طوارئ التحديات وطوارئ فى الفُرص، حتى أُصيبت حَدَقات الفكر بقصر النظر، وأُصيبت غُدد الإحساس بالتبلّد تجاه ما له تعلق بمستقبل الأجيال.
لهذا ولغيره فلسوف تكون هذه الشئون والشجون هي مواضيع الخواطر المقبلة إن شاء الله تعالى.
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
اللهم أحيي قلوبنا واجعل لنا نوراً نمشي به فى الناس فإنك قد قلت وقولك الحق: (وَمَنْ لَمْ يَجعلْ اللهُ لهُ نُوراً فما لهُ مِن نُورٍ) ولا تكِلنا إلهنا ومولانا إلى أنفسنا أو إلى أحد من خلقك طرفة عين.. يا نور.