والذى نعرفه هو أن الله تعالى قد أقرّ تسمية خليله إبراهيم عليه السلام لنا بالمسلمين وليس بالإسلاميين: {مِلّةَ أبِيكُم إبراهيمَ هو سمّاكم المسلمينَ مِن قَبْل}.
وقرأت للبعض أنه مصطلح دخيل ألصقه العلمانيون بمن يعملون لخدمة الإسلام.. ثم لاحظت أن إخوتى الذين يرون أنهم يعملون فى خدمة الإسلام قد تبنّوا هذا المصطلح فصرنا نسمع عن الإداريين الإسلاميين والاقتصاديين الإسلاميين والسياسيين الإسلاميين.
ووجدت من يدافع عن المصطلح ويراه صحيحاً من جهة اللغة والاستخدام فهو من وجهة نظره يُطلق على من ينتسب فى منطلقاته إلى الإسلام.
وقد علّق أحد الفضلاء على عبارة للفقير إلى الله حول الموضوع باستشهاده بقاعدة: «لا مشاحّة فى الاصطلاح»، وعلق أيضاً بأن المصطلح قديم، واستشهد بكتاب «مقالات الإسلاميين» لإمام أهل السنة ومجدد القرن الثالث الهجرى أبى الحسن الأشعرى رحمه الله.
فتوقفت مع تعليقه متأملاً مستفيداً وخرجت بنتيجتين..
الأولى: أن احترام قاعدة «لا مشاحّة فى الاصطلاح» تقتضى أنه لا بد من تحرير المصطلح ومعرفة المقصود به.
الثانية: أنه لا بد من النظر فى سياق استخدام الإمام الأشعرى للمصطلح.
أما الأولى وهى تحرير المصطلح فيكتنفه من الغموض ما يصعب معه إيجاد ضوابط حقيقية للاستخدام المعاصر للمصطلح.
فالجماعات التى تعمل باسم الإسلام اليوم بينها تباين كبير فى تعريف المصطلح حتى إنّ فئات من الذين يحملون لقب «الإسلاميين» يكفِّر بعضهم بعضاً!
فكبار مُنظّرى الجماعات التى تدّعى الجهاد يصرحون بتكفير الحكام الذين يحملون لقب «الإسلاميين» فى مصر وتونس والمغرب وغزة على أساس أنهم لم يحكموا بما أنزل الله!
والذين تمّ تكفيرهم يعدّون هؤلاء المنظرين من الخوارج، ووصل الخلاف بينهم فى غزة إلى الاقتتال!
والثورة الإيرانية تسمّت بالثورة «الإسلامية»، وحزب الله اللبنانى لقّب نفسه بالمقاومة «الإسلامية»، والجماعة «الإسلامية» فى مصر تعتبرهم كفاراً ومثلها الجماعة «الإسلامية» فى باكستان!
وحزب الإصلاح فى اليمن يقدم نفسه بصفته حزباً «إسلامياً» بينما اعتبرهم مقبل الوادعى شيخ السلفية فى اليمن زنادقة! وكلاهما متفق على اتهام حركة الحوثيين «الإسلامية» الزيدية بأنهم شيعة مجوس!
وهكذا هو الحال بين جبهة الإنقاذ فى الجزائر ومن يتسمون بالجهاديين!
بينما يَجمع العلمانيون والليبراليون هذه الجماعات التى لا تجتمع فى سلة واحدة ويسمونهم «الإسلاميين» ليحطّوا من قدرهم ويتخلّصوا منهم دفعة واحدة..
وهكذا يجد الباحث نفسه أمام فوضى لا يجد معها تحريراً معتمداً للمصطلح..
والحديث عن فوضى المصطلحات ليس من قبيل ترف التنظير بل هو أمر ضرورى لوضع اليد على الجذور الحقيقية للمشكلة.
أما النتيجة الثانية وهى السياق الذى استخدم فيه الإمام الأشعرى هذا المصطلح فى كتابه «مقالات الإسلاميين» فهو سياق مختلف تماماً عن السياق الذى ارتضاه المعاصرون ممن يسمون أنفسهم بالإسلاميين لأنه أطلقه على كل فرقة نسبت نفسها إلى الإسلام، وأخذ يجمع معتقداتهم من مصادرهم ليشكل بذلك مرصداً دقيقاً لمقولاتهم ومعتقداتهم يمكن به تمييز المسلمين من هذه الفِرَق الإسلامية عن غيرهم.
فتجده يذكر مقالات «الإسلاميين» من الشيعة الغالية الباطنية مثل «الجناحية» الذين يعتقدون بأن روح الله تجسدت فى آدم ثم تناسخت حتى حلّت فى إمامهم وأن إمامهم رب، ويذكر أنهم يكفرون بيوم القيامة.
و«الـمُغيرية» و«الخطابية» الذين يدّعون نبوة إمامهم و«المنصورية» الذين يعتقدون أن إمامهم هو ابن الله.
ويذكر مقالات «الإسلاميين» من الشيعة الإمامية من المفضلة والرافضة ويذكر مقالات «الإسلاميين» الزيدية وفرقهم المعتدلة والمتطرفة.
ثم يذكر مقالات «الإسلاميين» من الخوارج ومنهم «الأزارقة» الذين يكفّرون كل من لم يهجر المجتمع لينضم إليهم، و«النجدية» الذين يحكمون بالشرك على من يصر على الكذبة الصغيرة، و«الحمزية» الذين يرون وجوب قتال السلطان وكل من رضى بحكمه.
ثم يذكر مقالات «الإسلاميين» من المرجئة والمعتزلة والجهمية إلى آخر مقولات من سماهم الإمام بالإسلاميين.
والخلاصة أن الإمام الأشعرى فى القرن الثالث كان يطلق مصطلح «إسلامى» على كل من يدّعى أنه مسلم ولو كان يعتقد معتقدات كفرية..
وعليه فليس كلّ إسلامىّ عنده مسلماً!
وعليه فالمسلم عنده أرقى من الإسلامى!
هذا هو تحرير مصطلح «الإسلامى» فى القرن الثالث الهجرى وهو بلا شك مختلف اختلافاً كلياً عمّا يقصده «الإسلاميون» فى عصرنا.
لذا يبقى السؤال قائماً: ما المقصود بكلمة إسلامى؟
وإلى أن يتم تحرير المصطلح ويتضح المقصود منه أُعلن بأنى لست «إسلاميا» ولكننى مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
{ومَنْ أحسنُ ديناً ممّن أسلمَ وجهَهُ للهِ وهو مُحسِنٌ واتّبعَ ملّةَ إبراهيمَ حنيفاً واتخذَ اللهُ إبراهيمَ خليلاً * وللهِ ما فى السماواتِ وما فى الأرضِ وكانَ اللهُ بكلِّ شىءٍ محيطاً}.
{ومَنْ أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالحاً وقالَ إنّنى منَ المسلمين}.
يا ذا الجلال والإكرام أحيني مسلما وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين.