وبجانب هذه التطورات الإيجابية التي تجرى بداخل البلاد يبدو أيضاً واضحاً أن العلاقات الخارجية لمصر، بعد عزل الدكتور محمد مرسي، تتقدم إيجابياً يوماً بعد آخر، وأن استيعاب ما جرى ويجرى في مصر من تغير ثوري شعبي، من جانب حكومات العالم والرأي العام في مختلف دوله، يزداد بصورة مطردة. ولم يتبق على المستويين العالمي والعربي سوى دولة واحدة التي تصف ما حدث في مصر بأنه «انقلاب»، وهي تركيا، التي تقوم حكومتها بهذا انطلاقاً من التزام رئيسها التنظيمي بعضويته في تنظيم (الإخوان) الدولي.
وفي مواجهة كل هذه التطورات الإيجابية التي تجرى بداخلنا وحولنا بعد إزاحة الشعب لحكم الإخوان، تقف جماعة الإخوان بقيادتها المتشددة والقوى المعتدلة بداخلها مشلولة وغير قادرة على التخلص من تصوراتها وأوهامها لما حدث في مصر وما يجرى فيها حالياً. فالجماعة لا تزال تصدق قناة الجزيرة ونفسها في أن ما جرى في مصر هو «انقلاب عسكري دموي»، وأن الملايين يخرجون يومياً في كل بقاع مصر للمطالبة بعودة الرئيس المعزول ودستوره ومجلس شوراه ومحاكمة قادة الجيش وكل من شارك في «الانقلاب»، وأنها مستعدة بعد تحقيق هذا للتفاوض- حسب ما ذكره أبرز قيادييها الدكتور عصام العريان الأسبوع الماضي. الجماعة تبدو غائبة عن الوعي بالحاضر وتعيش فقط في ماضيها القريب، وهو سنة حكم الدكتور مرسي، بينما تجرى الوقائع والتطورات الجديدة حولها بسرعة لا تستطيع من فرط إغراقها في الوهم والخيال أن تشعر بها.
إن عملية «إفاقة» للجماعة الغائبة عن الوعي بالواقع والمشلولة عن اتخاذ أي قرار جدي وضروري للعودة إليه واللحاق بتطوراته السريعة تبدو اليوم ضرورية وعاجلة. وهذه العملية لن يستطيع أحد في مصر القيام بها سوى قيادات وأعضاء من داخل الجماعة نفسها، يدركون المخاطر التي باتت تهدد وجودها ذاته، اليوم، في الحياة السياسية للبلاد، خصوصاً بعد المشاركة المؤكدة، التي ستتصاعد للقوى الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها السلفية في خارطة المستقبل.
إن عملية «الإفاقة» للجماعة لا تعني سوى عملية إصلاح شاملة، تقوم بها القيادات والمجموعات المعتدلة فيها والراغبة في إبقاء الإخوان ضمن المعادلة السياسية المصرية، وهي عملية معقدة ومتشابكة، ولكن أبرز وأهم خطوتين فيها هما: الأولى إزاحة سريعة وعلنية للقيادة المتشددة للجماعة التي أدخلت البلاد وأدخلتها إلى أخطر مراحل تاريخهما، والثانية هي حل الجماعة بقرار ذاتي وتوزيع عضويتها على المؤسسات والكيانات التي تقوم وفق القانون، فمن يريد العمل السياسي فأمامه حزب الحرية والعدالة، ومن يرغب في العمل الدعوي فله أن ينضم أو يؤسس جمعية أهلية مختصة بذلك، ومن يريد الدفاع عن حقوق الإنسان فله أن يفعل نفس الشيء وفقاً لقانون الجمعيات، وكذلك الأمر لمن يردن من عضوات وقيادات الجماعة العمل في المجال النسائي، فهناك مجال واسع لهن في الجمعيات الأهلية النسائية التي تقام وفقاً للقانون.