لكن لأن هدف الخارج كان اكبر بكثير من اسقاط النظام في سوريا فقد تم اللجوء إلى اساليب أخرى لايجاد افغانستان جديدة في المنطقة العربية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها وتحقيق الهدف الرئيسي وهو القضاء على الجيش العربي السوري وتفكيكه كما حصل في العراق خدمة للعدو الصهيوني بعد أن أمن مكر الجيش العراقي وتحييد الجيش المصري بعد اخراجه من معادلة الصراع العربي- الاسرائيلي بموجب اتفاقية كمب ديفيد التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء الحكومة الصهيونية حينها مناحيم بيجن برعاية الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر.. وقامت يومها قيامة العرب وسارعوا إلى قطع علاقاتهم مع مصر احتجاجاً على هذه الخطوة التي اقدم عليها الرئيس انور السادات دون التشاور معهم وتم نقل الجامعة العربية من القاهرة الى تونس بهدف عزل مصر عربياً.. ولم يتنفس العرب الصعداء إلا بعد مقتل الرئيس السادات على أيدي الجماعات الرسلامية المتشددة بتاريخ 6 اكتوبر عام 1981م وتعيين نائبه حينها محمد حسني مبارك رئيساً لمصر الذي استطاع في غضون فترة قصيرة بعد تسلمه الحكم ان يعيد علاقة مصر مع العرب إلى سابق عهدها واعادة الجامعة العربية من تونس الى القاهرة. ومن المفارقات العجيبة ان الذي سعى لإعادة علاقة العرب بمصر هو الرئيس الراحل صدام حسين الذي كان اكثر المتشددين على قطعها واتخذ قرار قطع علاقات الدول العربية مع مصر في مؤتمر قمة عربي عقد في بغداد وكذلك عودتها.. وحين اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية سارع الرئيس الراحل صدام حسين إلى ارسال وفد عراقي إلى مصر يطلب العون العسكري منها رغم قطع العلاقات معها مستغلاً العداء الذي كان قائماً بين الرئيس أنور السادات والإمام الخميني مرشد الثورة الاسلامية في ايران بسبب استضافة مصر لشاه إيران الامبراطور محمد رضا بهلوي بعد الاطاحة به ورفضت كل الدول التي طرق أبوابها استقباله حتى للعلاج بما فيها حليفته الكبرى امريكا.
هنا يطرح السؤال نفسه: من كان يصدق ان العرب الذين سارعوا الى قطع علاقة دولهم بمصر في أواخر عهد الرئيس السادات احتجاجاً على توقيعه اتفاقية سلام مع اسرائيل واعتبار حرب 6 أكتوبر عام 1973م آخر الحروب بين العرب واسرائيل؟ هم انفسهم اليوم الذين يدافعون عن اسرائيل ويحرضونها على بعضهم وكأنها ارحم بهم من انفسهم؟
وما يجري في سوريا خير دليل على هذا التوجه العربي الجديد.. فقد اتخذوا من ديكتاتورية النظام وحرمانه للشعب السوري من حقوقه وحرياته حسب زعمهم ذريعة ليستقدموا اليه المسلحين والمجاهدين من مختلف أنحاء المعمورة للقتال ضد النظام وتقديم مختلف الأسلحة المتطورة لهم بما فيها صواريخ لاسقاط الطائرات وحسب بعض التقارير انهم حصلوا على سلاح كيميائي فخلقوا بذلك افغانستان أخرى في المنطقة العربية وتسببوا في انقسام العرب بين مؤيد ومعارض ومحايد.. ولأنهم خلال فترة تزيد عن عامين ونصف العام لم يستطيعوا ان يسقطوا النظام ولا ان يفككوا الجيش السوري كما حصل في العراق بل وخسرت الجماعات المسلحة الكثير من المكاسب التي كانت قد حققتها على الأرض عند بداية التدخل الاقليمي والدولي في الشأن السوري فقد لجؤوا إلى ايجاد حجة قوية تم التخطيط لها جيداً تستفز المجتمع الدولي للتدخل عسكرياً وتتمثل هذه الحجة في تلك الجريمة الإنسانية البشعة التي تم ارتكابها في الغوطة القريبة من العاصمة دمشق والتي استخدم فيها السلاح الكيميائي الذي أودى بحياة المئات من الأبرياء في هذه المنطقة، حيث توفي معظمهم اختناقاً وسرعان ما نسبت الدول المتدخلة في الشأن السوري هذه الجريمة الشنعاء إلى النظام السوري مع انه هو الأقوى في الميدان وليس بحاجة الى استخدام مثل هذا السلاح المحرم دولياً.
ومع ان تقرير المفتشين الدوليين الذين دخلوا إلى هذه المنطقة للتحقيق في هذه الواقعة وتحديد الفاعل لم يعلن بعد لكنهم لم ينتظروا ظهور النتيجة لأن الهدف اولاً واخيراً من هذه الجريمة هو جعلها ذريعة للتدخل العسكري ولو بضربات محددة ومركزة كما اعلن رئيس الادارة الامريكية باراك حسين اوباما الذي أجل الضربة وربطها بموافقة الكونغرس بعد ان رفض مجلس العموم البريطاني التدخل عسكرياً في سوريا دون دليل يدين النظام السوري واعلنت المانيا انها لن تشارك واعترضت دول مهمة مثل ايطاليا ودول أخرى اعضاء في الاتحاد الأوروبي خوفاً من التورط في سوريا بدون موافقة مجلس الأمن الدولي.. لكن لأن العرب هم الأشد عداوة لبعضهم فهم لا يحسبون حسابات النتائج بقدر ما يهمهم قهر بعضهم البعض وتصفية حسابات خلافاتهم حتى لو خسروا كل شيء ولذلك فقد سارعوا إلى تقديم اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد الأحد الماضي في مقر الجامعة العربية بالقاهرة واصدروا بياناً يحمل النظام السوري مسؤولية ما حدث في الغوطة قبل التأكد مما سيقوله تقرير المفتشين الدوليين ربما استباقاً للنتيجة التي قد تكون عكسية وطالبوا بسرعة التدخل العسكري الدولي وهو ما يؤكد انهم متعطشون لسفك دماء الأبرياء اكثر من اعدائهم, اما النظام فلن يسقط بضربة محددة ولن تحقق مكاسب للمسلمين على الأرض.