وأظن أن الكثيرين من قيادات ذلك التيار احترموا إرادة شعب الجنوب فرفضوا المشاركة في الحوار ، إلا إن من يشارك منهم حاول تلميع مواقفه بمصطلحات تضليلية مثل : (الحرية ، استعادة الدولة ، حق تقرير المصير ، وتلبية طموحات شعب الجنوب) .. مصطلحات فاقدة معناها حاضرا ومستقبلا بالنظر إلى مواقف أصحابها من الوضع القائم حالياً المتمثل بضم الجنوب بالقوة وإصرار نظام صنعاء على التحكم بحق تقرير المصير الذي يطالبون به بِذِلٍ وخضوع ٍ وتبعيةٍ بعيدا عن إرادة شعب الجنوب .
ولأن النظام لا يريد حوار مع الجنوبيين لكنه بالتأكيد يريد حضورهم شكليا في الحوار أمام العالم ، لإثبات استجابة شعب الجنوب وقبوله بنتائج الحوار .. لذلك جاءت كلمة " مؤتمر شعب الجنوب " مفككة في تعبيرها ، متناقضة في مدلولها ، ضعيفة في معناها ومزدوجة في هويتها . فعلى سبيل المثال ،جاءت فقرتها الثانية بالشكل التالي :
" أنها مناسبة طيبه ونحن نشارك معكم هذا المؤتمر , لنسجل معكم بكل وضوح كامل ومعبر عن تطلعات أبناء شعب الجنوب وهم يتطلعون إلى لحظة تاريخية تعيد رسم حدود اللا معقول الذي خيم على حياتهم وافقدهم توازنهم للحياة الحرة الكريمة و تحت مظلة دولة حقيقة لا تنتج الحروب والدمار والإقصاء و التهميش، حياة يظللها القانون والعدالة والمساواة، ومشروعية العمل البناء في تثبيت حق شعب الجنوب في الحرية وحق تقرير المصير واستعادة الدولة المستقلة المدنية الحرة ".
وإن لم يكن واضحا في هذه الفقرة ما المقصود من عبارة : " يتطلع شعب الجنوب إلى إعادة رسم حدود اللامعقول تحت مظلة دولة حقيقية !! " .. لكنه يكمل العبارة مبينا أنه يريد دولة يمنية يكفل دستورها حق تقرير المصير لشعب الجنوب .. وهنا فإن المطالبة بـ "حق تقرير المصير " يوحي بأن "الحق الشرعي " لتقرير المصير الجنوبي لم يُشرَّع بعد للجنوبيين .. وهذا يتناقض مع الإشارة إلى مطلب " استعادة الدولة المستقلة " إذا ما كان يقصد بها دولة الجنوب !.
وفي الفقرة التالية يريد التيار مناقضة الوعي الفكري لدى الشعب الجنوبي بسبب زيادة الظلم عليهم من قبل سلطة نظام صنعاء في حين بقية الشعب في الشمال أتخذ موقف المتفرج أو المؤيد للظالم .. الفكر الذي أوصل الشعب الجنوبي بعد معاناة إلى قناعة بأن لا شيء يربط بين ما يسمى الشمال والجنوب في التاريخ الحديث والمعاصر الأمر الذي أثبته عدم التجانس الاجتماعي والثقافي خلال هذا التاريخ ؛ فنجد التملق في كلمة التيار واضح بالتلميح إلى أن الشمال والجنوب يمن واحد بما يتناسب مع الأهداف السياسية لنظام صنعاء ، حيث جاءت بالشكل التالي:
" أن نضالنا الشعبي السلمي الجنوبي يأتي تعبيراً عن الرفض المطلق لطبيعة تلك الثقافة وذلك النظام الذي استباح الأرض و ثروات الجنوب وحقوقه الكاملة , ذلك الجنوب الذي دخل العملية السياسية لليمن الواحد , ذلك الجنوب الذي دخل عملية التاريخ للتغيير راغباً ومدافعاً عن مشروع الوحدة السياسية لليمن الواحد بمضامينها الإنسانية العادلة مقدما دولته وكامل مقدراتها خدمة لهذا الهدف."
فالتيار لم يلمح فقط في هذه الفقرة إلى أنه ينتمي إلى الحراك السلمي الجنوبي بل يدعي أنه تيار مناضل في الحراك .. وهذا ليس إلا ابتذالاً سياسياً يستنكره شعب الجنوب . لماذا يحاولون التأكيد أن اليمن واحد .. ومتى تم استفتاء شعب الجنوب حتى يقولون أن الشعب كان راغبا أو مدافعا عن ما أسموه مشروع وحدة سياسية بمضامين إنسانية ليقدم من أجلها دولته .. وما هو الهدف الذي يتحدثون عنه هنا ؟! .
وأخيرا ، لا بد من الإشارة إلى أن النظام في صنعاء ، سلطة ومعارضة ، يسعى حالياً إلى تحويل الوضع الناشئ في الجنوب بعد حرب 1994 الذي يستنكره العالم ، إلى وضع آخر يمكن تسميته "قضية أقلية" في الجنوب تبحث عن "حق" في إطار اليمن "الواحد" لتقرير مصيرها ! . وهذه هي المشكلة التي يصفها شعب الجنوب بأنها مؤامرة .