في فيلم «ملائكة وشياطين»، عمل فني لإعادة إنتاج مدينة روما، والفاتيكان في قلبها من جديد. هكذا نوع من الأدب ليس منتشرا في المكتبة العربية، وربما باستثناء رواية «عزازيل» للروائي المصري يوسف زيدان، ومن بعدها «النبطي»، لن تجد الكثير عن تلك اللحظة المثيرة تاريخيا لمولد الديانات السماوية التي تصنع تاريخها الخاص، الذي يلغي كل ما كان قبلها ثم يبدأ بعدها التاريخ «الحقيقي» للبشرية.
السياسة في الشرق هي محور البداية والنهاية لذلك يبدو فقيراً في إنتاج الأدب وغزيراً بإنتاج الصراعات السياسية والعرقية والدينية .
ظهر الدخان الأسود لبعض ممثلي الإطراف السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني من إحدى قاعات دار الرئاسة الشهيرة في صنعاء عبر نقطة نظام لم تكن في محلها .. فشلت محاولة الإرباك الأولى للجلسة الافتتاحية لتبدأ الثانية برفع أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية من قبل أطراف شاركوا في الحوار تحت سقف الوحدة، بتنسيق منظم راديكالي قديم يثير بلبلة مفتعلة في اليوم الثالث للحوار لا تستند إلى خلاف فكري بل على دور كمبرس يمارس قلة الأدب في ممارسته السياسة وهكذا دواليك .
هل كانت كل هذه الأحداث محض صدفة في محطة تاريخية مهمة لدوران عجلة التغيير .!
تصرف رئيس مؤتمر الحوار مع محاولات الإرباك البائسة بحزم ولم يتقمص دور الرئيس في التداخل المباشر وهنا تكمن حصافة الرجل الذي لم يظهر كحامل لاسم القديس فرانسيس، كما هي العادة أن يحمل رأس الكنيسة اسما لواحد من القديسين وسبب إعطائه لقب القديس هو اهتمامه الفائق بالفقراء وفرض هيبته على الصفوة والأغنياء.
في ظرف كهذا كان عليه اقتناص الفرصة واستخدام سياسة المراضة لو كان يفكر في الاستمرار بالرئاسة بالطريقة التقليدية .
لكنه اثبت أو حاول أن يبرق للآخرين انه سئم حكم بلد في فترة وجيزة لا تتجاوز العامين .
وما ترتب عليها، من مآزق تعيد فكرة بناء الدولة نفسها ، في ظل المواجهات المستترة والتاريخية بين الدين والدولة ،وحماية كهنة المعبد للقوى التقليدية المهيمنة عبر سيطرتها للثروة والقوة والقبيلة والسلاح على إرادة المجتمع في الإطراف من خلال هيمنتها على المركز .
هنا يصبح التكيف مع واقع جديد وسريع يحتاج لحكمة متوارية وباطنية سياسية وخبرة إدارية، ولكن ثمن التكيف ربما يكون الخلاص من جوهر الفكرة الدينية ذاتها. هنا، فإن رد الفعل الطبيعي يكون العودة إلى الأصول، والتقاليد، وإلى حقيقة الحاجة الإنسانية إلى «الإيمان» بالله الذي يعطي للعالم غير المحسوس معنى، ولمستقبل ما بعد الحياة تصورا ما، يجعل الحياة نفسها مقبولة.
يبقى في كل الأحوال أن الدين وهو يواجه الدولة المدنية ..والعولمة بدلا من العولمة الدينية، يحاول الظهور في أشكال إنسانية، بعضها يعود إلى تقاليد الدفاع عن الفقراء والمحرومين والإغاثة، أو التقاليد الخاصة برموز المسجد .. ولكن المواجهة أخذت أشكالا مختلفة، فالمعتدلون ركزوا على فكرة عدم التناقض بين الدين والعلم والحداثة، بل إن صيحة كبرى جرت في صفوف جماعات دينية بأن دولة المسلمين هي في جوهرها دولة مدنية، فإن الواقع الفعلي أبرز، ليس سيادة المعرفة بشؤون الدنيا في تقرير الأمور الدنيوية، وإنما النص الحرفي الديني وتفسيراته المنتمية إلى عصور قديمة. الأخطر من ذلك، إن كانت المحاولات العنيفة والقسرية لوقف حركة التاريخ كلية، والعودة إلى عصور سابقة بشكل قسري وعنيف، تستخدم فيه القوة المسلحة والإجبار والاضطهاد للمرأة والأقليات الدينية لكي يبقى التاريخ على حاله أو يعود القهقرى إلى الوراء. وفي تجارب السودان وأفغانستان وإيران والصومال الكثير، ما يشير إلى أن عودة التاريخ القديم على قسوته في العصر الحديث، كان أكثر سهولة من قبول التحدي العظيم للتعامل مع العصر والبقاء فيه في آن واحد.
من يتأمل خارطة اليمن اليوم سيرى بلداً ومدناً مقسمة بدقة كومبيوترية مذهلة، تقطعها مئات الحواجز الثابتة وتتحرك فيها عشرات المشاعر الطيارة بالعنف والكراهية، بعناصر تتجول فيها ليل نهار سيرا على الأقدام أو بالسيارات، وتقوم بتفتيش المارة والتحرش بهم، وباقتحام البيوت، واعتقال الآمنين والاعتداء عليهم، بينما يبقى لديها ما يكفي من وقت لاختطافهم وترويعهم . فضلا عن إطلاق النار العشوائي بفوارق زمنية مدروسة تتزامن مع حالات تثير الرعب الاجتماعي المنظم .