زمان: يحكى أن حانوتياً (شخص يغسل الموتى ويكفنهم ويدفنهم عند المسلمين) اشتهر بأنه بعد أن يدفن الميت، يسرق كفنه ثم يعيده إلى القبر. ولأن ابن الحانوتي في الشرق حانوتي حكماً، فقد جاء ابنه بعده وكان مصمماً على جعل أهل البلدة يترحمون على والده، بعد أن كانوا يشتمونه. صار الحانوتي الابن يسرق الكفن دون أن يعيد الميت إلى قبره. فصار الناس يترحمون على أبيه!
محمد مرسي والغنوشي ومجموعة بلهاء ما بعد القذافي سيجعلون شعوب المنطقة تقيم الأضرحة والقبب على قبور زعمائها ما قبل ربيع الإخوان!
لم يستفد من هذا الربيع غير الإخوان: مرحلياً فقط. ولم يخسر فيه غير الطائفة السنية، التي تبدو الأكثر انقساماً على ذاتها منذ أن ظهر هذا المصطلح في كتب التاريخ والفقه والعبادات!
ليس الأمر واضحاً في مصر وتونس وليبيا كما هو في سوريا. في البلد الأخير، الذي اشتهر بتنوعه الإثني-الطائفي-الديني- الثقافي-المذهبي، أخذت كل الطوائف والجماعات من غير أهل السنة والجماعة خيارها المعرفي الواضح - لا نقصد هنا السياسي بالطبع - حين اصطفت كلها مع المدنية في وجه السلفية الوهابية!
العلويون، أساساً، خيارهم علماني- مدني، وكذلك الإسماعيليون؛ المسيحيون بكل فئاتهم؛ الأكراد عموماً، المرشديون والدروز. هذه التيارات الدينية أو المذهبية غير السنيّة أخذت خيارها الواضح، كونها غير مقيدة زمنياً ولا مستلبة معرفيّاً، بأن لا بديل عن العلمانية-المدنيّة!
بالمقابل، فالسنّة، الذين كانوا على الدوام الحاضن الأهم للتيارات المعرفية الحداثوية؛ صاروا اليوم، ونعني هنا شطراً ليس قليل منهم، الحاضن الأوحد للحركة السلفية -الوهابية. مع ذلك، لا يمكن القول إن السنّة كلهم صاروا رهينة لابن تيمية وأبي الأعلى المودودي,.. الانفتاح السني منذ القرن التاسع عشر على روح العصر وثقافاته خلق بين هؤلاء جماعات كثيرة لا علاقة لها بأسار التقليد ولا روح التطرف الوهابي.
في مصر، حيث الانقسام السني-السني واضح جداً، نجد محمد مرسي والجماعة المسماة بالسلفيين، لكننا نجد بالمقابل، من بين السنّة أنفسهم، عمرو موسى ومحمد البرادعي وأحمد شفيق وحمدين الصباحي وزياد العليمي وسامح عاشور. بل يمكن القول إن الكفة الانتخابية كانت متعادلة تقريباً بين المدنيين والتقليديين في انتخابات مصر الأخيرة.
في سوريا، ثمة وجود خجول جداً لغير السنّة ضمن المعارضة الشرسة للنظام. لكن هؤلاء يصبحون أكثر خجلاً حين يواجهون بحقيقة خطف جبهة النصرة السلفيّة الارهابية لأضواء العدائية للنظام من كل الجماعات الأخرى. ويحاولون النأي بأنفسهم عن رائحة السلفية الجهادية المزعجة عبر التأكيد على خيارهم الديمقراطي-ا لعلماني.
الانقسام السنّي- السنّي في سوريا أوضح من أن يُنكر. والسنّة عموماً، هم من يواجه في المنطقة العربية ، خاصة سوريا، أزمة وجود حقيقة، لن يخرجوا منها إلا مقطعي الأوصال. النظام الحاكم في دمشق، لم يكن ليستطيع الصمود عامين لولا دعم المدنيين السنّة له، والذين يخشون السلفيين كغيرهم من باقي فئات الشعب.
ستنتهي الحرب الداخلية التي نعيشها اليوم في سوريا. هذا أمر محتوم بالمطلق. وستبدأ سوريا جديدة تبحث عن هوية لها جديدة في عالم لا يقبل إلا التجديد. للأسف الشديد، ولأن البلد انشغل بقضايا الفساد والأرباح وجني الأموال، سقطت المسألة المعرفية على أرصفة السبع بحرات. وعوضاً عن أن يبدأ السنّة السوريون دوراً طليعياً جديداً يمكن أن يكمل ما بدأه عبد الرحمن الكواكبي وعبد الحميد الزهراوي، انخرطوا في صيرورة الفساد السلطوي، فوصلنا إلى تلك الرموز التي نعرفها جميعاً، والتي لم تفد إلا في زيادة القفر المعرفي في الوطن.
بعد الأزمة، لا بد أن يخرج السنة السوريون بمارتن لوثر سوري جديد. إن كان لا بد من لم الوطن كله؛ إن كنا نريد سوريا بلا طوائف عوض «الطوائف « بلا سوريا التي نعيشها اليوم، الأمل كله معقود على المدنية السنية كي تخرج ذاتها وسوريا معها، مرة وإلى الأبد، من جحيم السلفية الحارق!