وهي كما هو واضح ” وثيقة مدنية لبناء الدولة” وليست وثيقة لبناء الدولة المدنية، ومضمونها بإيجاز أن الدولة مدنية، ونظامها جمهوري، ونهجها شوروي، ودينها الإسلام، والعربية لغتها الرسمية، والشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات فيها، ونظام الحكم برلماني، وتقوم على أسس اللامركزية، والحكم المحلي كامل الصلاحيات، واستقلالية القضاء، والفصل بين السلطات الثلاث، والنظام الانتخابي نظام القائمة النسبية، وأن تعترف الدولة وتلتزم بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعلية من شأن الإنسان..
وما ورد في هذه الوثيقة يجب أن يصبح بنظر أصحابها مبادئ في الدستور القادم! وقد أكدوا أنهم سيعملون على إيصال هذه الوثيقة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكل الأطراف السياسية ومكونات الثورة الشعبية وتعميمها على خطباء المساجد لتوعية المجتمع بمضمونها، ولتصبح من الوثائق الأساسية التي يجب طرحها في مؤتمر الحوار الوطني.. ونحن هنا نود تسجيل ملاحظتين:
الأولى: أن هذه الوثيقة لا علاقة لها بالدولة المدنية، ناهيك عن الدولة الديمقراطية، إذ كيف يجري الحديث عن “مدنية الدولة”، جنبا إلى جنب الحديث عن “نهجها الشوروي”.. فهم يتحدثون عن شورى، وليس عن ديمقراطية، ومعروف أن الشورى ليست مرادف للديمقراطية، بل أن الشورى عكس الديمقراطية تماما.. فكيف تجتمع مدنية وشورى؟. فأول الشروط أو الأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية هي الديمقراطية.. ثم يقولون إن دستور اليمن القادم لا بد أن ينص على أن “الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات”، وهذا غير ممكن لأن الشريعة الإسلامية هي الأحكام الفقهية التي انتجها الأولون وهي لا تغطي مساحة التشريع اليوم، ثم أنه في الدولة المدنية التشريع للناس يقررون فيه ما فيه مصلحتهم، وإذا كان ضروريا فالصواب أن يقال إن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة هي المصدر الرئيسي للتشريع.. والوثيقة المشار إليها تكتفي فقط بأن تعترف الدولة وتلتزم بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعلية من شأن الإنسان.. بينما الدولة المدنية تضمن حقوق الإنسان صراحة وتلتزم بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.. ثم أن الوثائق المتعلقة بمبادئ دستورية تعد وتصاغ من قبل فقهاء دستوريين وقانونيين وليس من قبل رجال دين.
الثانية: نود هنا الإشادة بأصحاب هذه الوثيقة، لأنهم بادروا من الآن بعرض رؤيتهم حول ما ينبغي أن يكون عليه الدستور القادم، وسبقوا جميع الأطراف بمن فيها المؤيدون لتعديل الدستور القائم الذي يتضمن مبادئ لا زالت حية، ولا يرون حاجة لدستور جديد كلية. وفي تقديرنا أنه من الممكن دمج مختلف المشاريع المتعلقة بمقترحات المبادئ الدستورية، للوصول إلى دستور جديد يلبي حاجة اليمنيين للدولة المدنية الحقيقية، ولا يمكن الوصول إلى هذا الدستور من خلال الوثيقة المشار إليها أو غيرها، إذ الدساتير تقرر بالتوافق، ويجب التوافق على الدستور الجديد، ولا يجوز أن يستأثر به طرف ما مهما كان وزنه.