ونحن هنا أمام محاولة لاستعادة دور الكنيسة، ولكن بصيغة إسلامية، حيث يصبح رجال الدين هم المشرعون ومصدر السلطات باسم الشريعة الإسلامية، بينما الإسلام لم يعطهم حق التشريع ولا أي سلطة سوى سلطة النصح، وقول المعروف في مسائل الأخلاق والعبادات.
أما أمر التشريع واتخاذ القرارات في المسائل الوطنية السياسية والاقتصادية وغيرها من أمور الدنيا فأمرها متروك للناس، ويقررونها عبر ممثليهم ذوي الاختصاص في الهيئات المنتخبة، الذين يجتهدون اجتهادا بشريا لإنتاج قوانين وقرارات تحقق الصالح العام.. إن رجال الدين هؤلاء عندما يتحدثون عن المرجعية الإسلامية التي ينصبون أنفسهم مكانها، وعن الشريعة لإسلامية التي يريدون تطبيقها، يقصدون أصلا أحكام الفقه التي سنها الرجال الأولون، ويراد فرضها على المتأخرين، بينما من حق كل جيل أن يشرع لنفسه بنفسه لما فيه مصلحته.
وسنضرب هنا مثلا طازجا يرينا أن رجال الدين هؤلاء غير جديرين بالإنصات، فهم مثلا يعتبرون حكم الإخوان والسلفيين في مصر هذه الأيام مثالا لحكم الله وتطبيق الشريعة والمرجعية الإسلامية، بينما في مصر الإخوان أصدر الرئيس مرسي يوم 10 ديسمبر الحاضر قرارا جمهوريا- وبناء على رغبة صندوق النقد الدولي- بتعديل قانون ضريبة المبيعات يقضي برفع أسعار 50 سلعة مقابل موافقة الصندوق على قرض بقيمة 4 مليارات و700 مليون دولار، ومما نص عليه القرار زيادة الضريبة على الخمور بنسبة 150 في المائة، وفي وقت سابق سمح الرئيس مرسي لإسرائيل بإقامة شبكة تجسس الكترونية على سيناء، وهو ما لم يقبل به الرئيس السابق مبارك العلماني.
فهل من حكم الله وتطبيق الشريعة والمرجعية الإسلامية رفع أسعار السلع لتسديد القرض مستقبلا، في حين يقولون إن القروض ربوية؟ وهل من حكم الله وتطبيق الشريعة والمرجعية الإسلامية زيادة الضريبة على الخمور للحصول على موارد مالية عالية لبيت مال المسلمين؟!
بالنسبة لنا نرى أي تشريع أو قرار يحقق مصلحة عامة للناس هو تشريع صحيح وقرار صحيح، سواء صدر من علماني أو إخواني، في مصر أو في اليمن وغيرهما، ولسنا هنا بصدد وزن قراراتهم بميزان الشريعة فذلك ليس من شأننا، بل نضرب مثلا لرجال دين يتحدثون عن حكم الله وعن تطبيق الشريعة وعن المرجعية، ويؤيدون في ذات الوقت الذين يتخذون قرارات تعتبر من وجهة نظرهم مخالفة لحكم الله وشرع الله، و" العلماء المرجعية".