لم يكن الناخب الامريكي هو فقط من يترقب النتائج، فالعالم بأسره كل أربع سنوات وتحديداً في السادس من نوفمبر يحبس أنفاسه، لمعرفة من سيكون سيد البيت الأبيض الجديد، لأن رئيس أمريكا لا يهم الأمريكيين وحدهم بل يهم كل شعوب العالم، في ظل القطبية الوحيدة التي تتفرد بها أمريكا عن سائر الدول.
اليمن كغيرها لم تكن بمنأى عن الاهتمام بنتائج تلك الانتخابات، فقد جاءت والبلاد تشهد مخاضاً عسيراً من أجل انجاح التسوية السياسية وفق المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة، فأمريكا لم تكن لاعباً عادياً في الوصول الى هذه التسوية، بل هي لاعب رئيسي وهام.. ومن هنا كانت الانتخابات ونتائجها محل اهتمام السياسيين اليمنيين، كونها ستحدد السياسة التي سيتعامل بها الفائز مع التسوية السياسية في بلادنا.
فالحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس اوباما أظهر تفهماً للوضع اليمني، وساهم الى حد كبير في تنقية الاجواء بين فرقاء العمل السياسي، وأسهم في دعم المنظومة العسكرية والأمنية خاصة في دعم مكافحة الارهاب خلال السنوات الاربع الماضية، وعليه فإن خروج المرشح الديمقراطي من السباق الرئاسي كان سينعكس بطبيعة الحال على مجريات ما يحدث في اليمن.
من الراجح أن سياسة أمريكا الدولية لا تتغير الى النقيض بمجيء رئيس وذهاب آخر، ولكنها تفتر ولا تكون بنفس الاهتمام، والدليل أن المرشح الجمهوري ميت رومني لم يبد نفس اهتمام اوباما بالملف اليمني، فقد أظهر الأخير تحمساً لدعم جهود التسوية السياسية ومحاربة المنظمات الإرهابية، وقدم دعماً سياسياً غير محدود للأخ عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وتجلى ذلك في التقائه به على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي جرت في سبتمبر المنصرم، بالإضافة للاتصالات والبرقيات المتبادلة بينهما بصورة مضطردة، اوضحت الاهمية التي يحتلها الملف اليمني لدى الرئيس اوباما شخصياً.
ومن هنا فإن النتائج جاءت لمصلحة سير التسوية السياسية بنفس الوتيرة، وعدم تقهقرها، أو اختلاف رؤى الادارة الامريكية نحوها، وهذا يمثل فائدة كبيرة لنجاح اليمنيين في بلوغ اهدافهم بمساعدة اشقائهم وأصدقائهم، فعلى اليمنيين استثمار اهتمام أمريكا وحاجتها الماسة ليمن مستقر وموحد وآمن، لأنها تشعر أن فقد اليمن لإحدى هذه الركائز الأساسية، سيجعل منها دولة فاشلة مما يهدد السلم والأمن العالمي.
إن أمريكا لا تحبنا بقدر ما تحب أن تظل بعيدة عن المشاكل التي قد تحدث لو لم تنجح اليمن في الخروج من أزمتها بسلام، ولهذا فإن مصلحتنا تطابقت مع مصالحها، وهو ما يجب أن نحرص عليه، أشد من حرصها هي.. فأمريكا هي سيدة العالم في الوقت الحاضر بلا منازع، وبدعمها لنا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، نستطيع الخروج من أزمتنا، فالمجتمع الدولي يدعم الدول بقدر دعم التوجه الامريكي لها، والعكس صحيح.
لكن وبالرغم من التعاون الكبير بين بلادنا وأمريكا، إلا أن الدعم الاقتصادي والتنموي، لا يكاد يرقى الى ما يطمح إليه اليمنيون، بل لا يلبي احتياجاتهم- وان تحسن الدعم قليلاً مع الازمة التي مرت بها بلادنا- إلا أن أمريكا مطالبة بمضاعفته على كافة الأصعدة، وعدم الاكتفاء بالدعم السياسي والعسكري، فالمعضلة الاقتصادية التي تمر بها اليمن هي من خلقت الاحداث المؤسفة التي مرت بها، وبدون دعم اقتصادي كبير من امريكا والدول المانحة، فإن جهود التسوية السياسية ستراوح مكانها.
على أمريكا والمجتمع الدولي استشعار الخطر الاقتصادي، فاليمن تخطت نسبة الفقر بين سكانه معدلات مهولة ومخيفة، والفقر هو مرتع خصب لنمو الجماعات المتطرفة، ولهذا فإن أي معالجات للوضع اليمني دون تحسين الخدمات الاساسية للسكان من غذاء ماء وكهرباء وصحة وتعليم، ستكون عبارة عن حقن مهدئة، سيزول أثرها كلما اشتد الجوع بالناس، وعندها لن تفلح السياسة في اسكات البطون الخاوية.
نتمنى أن يسهم فوز اوباما في دعم اليمن على خطى الانعاش الاقتصادي الى جانب التسوية السياسية، كما نرجو أن يستثمر اليمنيون حاجة امريكا والمجتمع الدولي لأمنهم واستقرارهم ووحدتهم، فما هو متاح اليوم، قد لا يكون متاحاً غداً، ومساندة الاشقاء والأصدقاء ستقل اذا لم نشعرهم برغبتنا في تجاوز ما نحن فيه، ولن يكون ذلك إلا بدخولنا جميعاً في مؤتمر الحوار الوطني.
أستاذ مساعد بجامعة البيضاء