الدولة المدنية دولة المواطنة، لا حكم فيها لفئة ولا طغيان لفرد على فرد.. في الدولة المدنية كل فرد هو مواطن مساو لأقرانه في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب القومية أو المهنة أو المال أو الدين أو الفكر، ويطبق القانون على جميع من يشملهم دون استثناء.. وفي الدولة المدنية السلطة للشعب، ينتخب حكامه بطريقه ديمقراطية، ولا يجوز اغتصاب السلطة من قبل أي فئة، كما لا يجوز توظيف الدين لتحقيق أغراض سياسية.. دولة تقوم على مبادئ الديمقراطية والفصل الواضح بين السلطات وضمان الحريات وإعلاء قيم السلام والتسامح والقبول بالتنوع والتعددية واحترام الآخر..
هذا هو مفهوم الدولة المدنية، وتلك هي أهم الأسس والمبادئ التي تقوم عليها.. فهل الإسلام يحرم المساواة بين الناس، ويبيح اغتصاب السلطة من قبل فئة معينة، ويسمح بطغيان فرد على فرد؟.. هل يجيز الإسلام التمييز بين مسلم ومسلم في الحقوق والواجبات بسبب قومية أو لون بشرة أو مهنة أو جاه أو مال أو مذهب؟هل يحرم حرية الفكر والمعتقد؟ هل يعادي قيم التسامح والسلام والتنوع والاختلاف والتعددية؟ وهل الديمقراطية تتناقض مع تعاليم الإسلام؟
لنأت إلى الأمر الذي يرعبهم في الدولة المدنية.. يقولون: الدولة المدنية تعني الدولة العلمانية، والعلمانية تعني اللا دين.. العلمانية تعني "لا إله والحياة مادة".. والعلمانية مفهوم غربي يفصل الدين عن الدولة ويقصي الدين عن الفرد والمجتمع..
وهذا كله كذب وتضليل سياسي، وإذا أحسنا التقدير نقول إنه جهل مطبق.. أولا، الصحيح أن من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة المدنية مبدأ فصل الدين عن السياسة، وهو مبدأ يقتضي في المقام الأول حماية الدين المقدس، وتوظيفه في مجاله الحقيقي، مجال الأخلاق وتهذيب السلوك، كما أن الفصل بين الدين والسياسة يحول دون استخدام الدين من قبل السياسيين لتحقيق أغراض سياسية، ويقطع الطريق على رجال الدين الذين يمنحون أنفسهم صلاحية التشريع باسم الإسلام أو بتفويض رباني كما يزعمون.. فهل يجيز الإسلام لرجال الدين أو غيرهم توظيف تعاليمه وقيمه لخدمة أغراض سياسية، واللهث بها وراء مصالح دنيوية شخصية وفئوية؟.. لقد جاء الإسلام لينزع سلطة التشريع من رجال الدين في الجاهلية الذين كانوا يحلون ويحرمون باسم الآلهة ويدعون أنهم مختصون بمعرفة ما تريده الآلهة وما لا تريده، والإسلام عندما انتزع سلطة التشريع من رجال الدين في الجاهلية، لم ينقلها لرجال دين في الإسلام، بل نقلها للرسول وأولي الأمر، وبعد وفاة الرسول صارت من صلاحية أولي الأمر، وأولي الأمر بمفهوم اليوم هم ممثلو الأمة في المؤسسة التشريعية، وقد يكون من بين ممثلي الأمة رجال دين، ولكنهم في هذه المؤسسة يشاركون في التشريع نيابة عن ممثليهم وبوصفهم ممثلي أمة مثلهم مثل غيرهم.