فكما رأت اللجنة استمرار التواصل الجاد مع كافة مكونات الحراك السلمي الجنوبي في الداخل والخارج ودعوتها للمشاركة في الحوار الوطني، وهي نقطة مهمة ولأهميتها كانت هي أول المطالب، فلا نجاح للحوار من دون المشاركة الفاعلة لمكونات الحراك السلمي سواء المتواجدون في الداخل أو الذين ما زالوا خارج الوطن.
إعادة الموظفين المدنيين والعسكريين والموقوفين والمحالين قسراً إلى التقاعد والنازحين في الخارج جراء حرب صيف 94، إلى أعمالهم فوراً، ودفع مستحقاتهم القانونية، وهي المسألة الرئيسية التي أججت المشاكل والتي خلقت حراكا في المناطق الجنوبية، بالإضافة الى معالجة الأوضاع الوظيفية والمالية لمن فقدوا وظائفهم نتيجة لخصخصة المؤسسات العامة بشكل غير سليم بعد حرب صيف 94، وكذا تعيين موظفين من أبناء الجنوب في المؤسسات المركزية ودواوين الوزارات في صنعاء بما يلبي شروط الشراكة الوطنية.
ظلت الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب صيف 94م- سواء كانت خاصة بالأفراد أو الأحزاب أو النقابات أو الدولة - الهم الأكبر الذي جعل الناس في المناطق الجنوبية يشعرون بالجور، ولهذا فإن إرجاعها لأصحابها من المطالب المهمة التي تزيل الاحتقان لأنها تمنح الأولوية في الانتفاع لأبناء المحافظات الجنوبية، كذلك إعادة الأراضي الزراعية التي كانت مملوكة للدولة.
ولتنقية الأجواء كان اقتراح إطلاق سراح كافة المعتقلين على ذمة الحراك السلمي الجنوبي، ومعاملة كافة ضحايا حرب 94 والحراك السلمي الجنوبي كشهداء ومعالجة الجرحى ودعم وتكريم أسرهم، أمراً في غاية الأهمية كونه يلغي من أذهان البعض صورة استباحة الجنوب.
نحن بحاجة أيضاً الى إلغاء ثقافة تمجيد الحروب الأهلية والدعوة إلى الثأر، -كما جاء عن اللجنة- والانتقام السياسي في مناهج التعليم، ومنابر الإعلام والثقافة، وإزالة مظاهر الغبن والانتقاص والإقصاء الموجهة ضد التراث الثقافي والفني والاجتماعي للمناطق الجنوبية التي تعرضت للطمس والإلغاء، وعلى وجه الخصوص بعد حرب صيف 94، ووقف تغذية الحروب والصراعات في كتاف وحجة وغيرهما من المناطق وتأمين طريق صنعاء صعدة ومنع كافة أنواع التقطعات.
كما كان مرتقباً -من العقلاء- أوصت اللجنة بتوجيه اعتذار رسمي للجنوب من قبل الأطراف التي شاركت في حرب صيف 94 واعتبار تلك الحرب خطأ تاريخيا لا يجوز تكراره، ولعل هذا البند هو المرتكز الرئيسي، وبه ستذوب كرة الثلج التي كبرت مع الأيام بسبب ما حدث سابقاً، الى جانب توجيه اعتذار رسمي لأبناء صعدة وحرف سفيان والمناطق المتضررة الأخرى من قبل الأطراف المشاركة في تلك الحروب، واعتبار تلك الحروب خطأ تاريخيا لا يجوز تكراره وإعادة إعمار ما دمرته تلك الحروب من منازل ومساجد ومؤسسات وطرق وتعويض المتضررين، ولعل ذلك سيسهم في تصفية النفوس.
الأيام - كشريك إعلامي مهم - انتظر الجميع عودتها للساحة خاصة بعد رحيل ناشرها هشام با شراحيل -يرحمه الله- ومن هنا فقد وفقت اللجنة من خلال توصيتها بمعالجة قضية مؤسسة وصحيفة (الأيام) وتعويضها عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بها نتيجة للتوقيف التعسفي وسرقة بعض ممتلكاتها وضرورة معالجة قضية حارسها.
الفساد هي الطامة الكبرى التي أفقدت الدولة هيبتها وبددت مقدرات الأمة، ولهذا فإن تغيير القيادات الإدارية في المؤسسات والمكاتب الحكومية في الجنوب وفي كل مؤسسات الدولة ممن ثبت فسادهم وسوء إدارتهم وذلك للمساعدة على خلق مزاج إيجابي في الجنوب، سيسهم من دون شك في تعزيز الاقتصاد الوطني وعودة ثقة المستثمر الأجنبي فيه من جديد.
آفة الآفات تتمثل في حشر الدين في الخلافات السياسية، ولذا من المنطقي العمل على وقف التحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي وإلغاء ثقافة تمجيد الحروب الأهلية تحت مبررات مذهبية وطائفية في وسائل الإعلام والمساجد ومناهج التعليم والاعتراف بالتعددية المذهبية، ولكي يتحقق ذلك ينبغي العمل على وقف كافة إجراءات العقاب الجماعي -بحسب اللجنة- ضد أبناء صعدة، وفتح منفذي البقع وعلب أمام صادرات المنتجات الزراعية فوراً، واعتماد الدرجات الوظيفية المخصصة للمحافظة، وإعادة الموظفين المدنيين والعسكريين الموقوفين قسرا جراء الحروب السابقة إلى أعمالهم ودفع كامل مستحقاتهم القانونية، ومعاملة كافة ضحايا حروب صعدة كشهداء، ومعالجة الجرحى وتعويضهم، مع الإفراج الفوري عن بقية المعتقلين على ذمة حروب صعدة والكشف عن المخفيين قسراً سواء كانوا أمواتا أو أحياء.
قانون العدالة الانتقالية كان وما زال مطلباً ذا أبعاد كبيرة كونه سيسهم في إزالة الاحتقانات وإعادة الحقوق لأصحابها، ولذا فقد رأت اللجنة تسريع إصدار قانون العدالة الانتقالية بالتوافق بين مكونات العملية السياسية ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، بما يتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية للعدالة الانتقالية، وكذا تفعيل قرارات وتوجيهات رئيس الجمهورية بشأن الإفراج عن المعتقلين على ذمة الثورة الشبابية الشعبية السلمية وكافة المعتقلين خارج إطار القانون ومحاسبة المتسببين في ذلك، مع الإسراع في تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة ومستوفية للمعايير الدولية، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في العام 2011 من كافة الأطراف.
ولأن الجيش هو الحامي الحقيقي للوطن وليس للأفراد، وللممتلكات العامة والخاصة في آن واحد فمن غير المنطقي أن يظل مقسماً، فتقسيمه يساعد كل متربص بالأمن في إحداث البلابل ورميها على الطرف الآخر، ولهذا فمن المهم التسريع بهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس مهنية ووطنية.
هذه النقاط تعد مدخلاً مهماً للبدء في حوار وطني وشفاف يتسع للجميع تحت سقف الوحدة الوطنية، فينبغي على الجميع أن يغلب المصلحة الوطنية وألا تأخذه العزة بالإثم، فالحوار يستوجب عدم التعالي، وجعل الحقوق والواجبات متساوية بين الجميع.. فنتمنى للحوار الوطني النجاح لأنه المنفذ الوحيد للعبور بالوطن نحو بر الأمان.