وما كتبته في عمودي صغير المساحة هذا في صحيفة (14 اكتوبر) كتب عنه الشيخ المهدي مقالا مطولا نشر الجزء الأول منه في صفحة كاملة في صحيفة (إيلاف)، ولم ينشر الجزء الثاني في العدد التالي من الصحيفة، ربما لأن رئيس التحرير قرر عدم نشره، وربما أن الشيخ لم يكتبه بعد، وربما لأسباب أخرى مثل استحضار “الحياء” في الأجواء الرمضانية.
وأود أن أذكر هنا أن الشيخ محمد المهدي لم ينتقد كتاباتي التي قال إني “أهاجم فيها كثيرا من العلماء وأحارب بعض أحكام الدين والأحاديث الصحيحة”..! ولم انتقده لأنه انتقدني على ذلك، فلم يكن بيننا هذا النوع من السجال.. فالشيخ المهدي استهل مقاله بالكذب ظنا منه أن ذلك التشنيع يخيفني.. قال: الصوفي يهاجم كثيرا من العلماء، يحارب بعض أحكام الدين والأحاديث الصحيحة..”وليس غريبا عنه ذلك”!
ومقال الشيخ المهدي طويل وممل وفيه مغالطات تثير الغثيان، ولم يستوقفني فيه غير ذلك الذي سبق، بالإضافة إلى صراحته وإخلاصه في الدفاع عن تنظيم القاعدة وعن حركة طالبان التي قال أنها طبقت الإسلام.. واعتقد أنه يقصد بذلك التطبيق زراعة نباتات تستخرج منها المخدرات، وحرمان النساء من التعليم وتدمير المعالم التاريخية في بانيان وتحريم الرياضة والتلفزيون والسينما والغناء والتصوير الفوتوغرافي واجبار الرجال على إطلاق اللحي بحد أقصى طول كف الرجل، وسائر ما أحل الله من الطيبات.. عند المهدي الجرائم المنسوبة للحوثيين أشنع وأظلم من إرهاب القاعدة.. وهو يفلسف القضية هكذا.. القاعدة يكفرون الجنود ثم يقتلونهم .. أما الحوثيون فإنهم يوقنون أن الجنود مسلمون ومع ذلك يقتلونهم.. فتكون النتيجة المهدية كما يلي: جرم الحوثيين أكبر لأنهم يقتلون مسلمين، وجرم القاعدة أخف لأنهم يقتلون كفارا..
بقي أمران: الأول أن الشيخ المهدي زعم أنه كتب ما كتب لكي يوضح لي أمورا غابت عني أو أخلط بينها، بينما إذا قرأ العارف مقاله جهل، ولذلك حرصت على عدم الوقوف على كل ما كتبه حتى لا أزيد الجهالات شيوعا.. والثاني أن الشيخ محمد المهدي يتباهى أن اليهود يخافون من أهل السنة أكثر من خوفهم من الله، وقد استدل بآية قرآنية بهذا الشأن، ولكنه- والحق يقال- لم يدع أنها من الإعجاز العلمي أو نزلت في أهل السنة.. ومن مغالطاته في هذا السياق القول إن الغرب راض عن الشيعة على طول الخط والتاريخ، وغاضب من أهل السنة ويسميهم إرهابيين لأنهم غير موالين للغرب، بينما إيران الشيعية عدو الغرب الأول وحزب الله الشيعي في لبنان صار عدو إسرائيل الأول، وأهل السنة في كل مكان موقفهم من الغرب وإسرائيل معروف، بما في ذلك أهل السنة في غزة، اعني حماس والجهاد.. وإذا عدنا للتاريخ سنجد مقابل الشيعي ابن العلقمي مئة سني متورط مع الدخيل، وعلى أي حال وددت بذلك مجاراة المهدي في منطقه، لكني في الأساس أعتقد أن المصالح السياسية بل مختلف المصالح- وليس المعتقدات الدينية- هي التي تحدد المواقف، وما الدين سوى دثار تغطى به المصالح.. كارلوس والجيش الأحمر الياباني وشيوعيون ملحدون آخرون قاتلوا إسرائيل يوم كان السنيون السلفيون يقاتلون تحت راية المخابرات المركزية الامريكية في افغانستان، ويبرمون اتفاقات مع إسرائيل لكبح شعبية حركة التحرر الوطني الفلسطيني.