ولأن اليمن يعيش منعطفاً خطيراً لا يمكن أن يتجاوزه بمفرده لأن اللاعبون ليسوا يمنيين فقط، بل تداخلت وتشابكت المصالح، حتى غدا ما كان يسمى بالأمس تدخلاً في شؤون الدول الأخرى أصبح اليوم نوعاً من المساعدة في الحل.. ولأن اليمن مقدم على مؤتمر الحوار الوطني كان لزاماً تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية في آن واحد. وكون الشقيقة قطر ساهمت في بداية الأزمة في السير بها نحو زاوية معينة -وإن لم يكتب لها النجاح التام- إلا أنها ظلت عنصراً مؤثراً لا يمكن لأحد إلغاؤه أو إقصاؤه.
من هذا المنطلق مثلت الزيارة بداية عودة اللقاءات الرسمية على أعلى مستوياتها -رئاسة الدولتين- مما يعني استشعار البلدين ضرورة الالتقاء من أجل تهيئة الحوار الوطني المزمع انطلاقه، نظراً لما تملكه قطر من تأثير على أطراف معينة، مثلما للشقيقة -السعودية- تأثير على أطراف أخرى. ومن خلال رؤية الوفد المرافق لرئيس الجمهورية يتضح أن لجنة الاتصال كانت حاضرة، وهي المعنية بالتهيئة للحوار الوطني، ما يدل على أنه تم التطرق للعوائق التي قد تقف امام انعقاد المؤتمر وتستطيع قطر بثقلها - لدى البعض- التسريع بانعقاده، وحلحلة الأمور والسير نحو الانفراج بإذن الله.
إن ما يحتاجه الشعب اليمني من قطر وغيرها من دول الجوار، أن تساعده كشعب لا كقيادة وأحزاب، فقد أثبتت الأزمة التي مررنا بها أن الشعب هو الباقي، وكل أولئك زائلون، وأن الدعم المقدم من الدول الأخرى للأفراد والجماعات، لم يترتب عليه سوى استقواء البعض على هيبة الدولة المركزية، وبالتالي إضعافها، ما سبب على المدى البعيد خوف دول الجوار من التهديدات القادمة من اليمن جراء ضعف الدولة وانقسام الجيش وزيادة نسبة الفقر والبطالة، وانتقال الإرهاب الى دولهم. تستطيع اليمن ودول الجوار بناء شراكة حقيقية بين الطرفين، شراكة قوامها العلاقات بين الدول كشعوب، لا العلاقات بين الحكام والجماعات، لأن اليمن الذي يتكون مما يزيد على 25 مليون لا يستفيد أبدا من دعم بعض الدول لأفراد معينين ولو على شكل أحزاب أو منظمات.
فالنتيجة التي وصلنا إليها أن الهوة التي وصل إليها اليمنيون تركزت في شيئين رئيسيين أولهما الفساد الكبير، وثانيهما عدم توجيه دعم دول الجوار الى الشعب اليمني. الفرصة الآن مواتية أمام اشقائنا من دول الجوار للعبور باليمن -كشريك وليس تابع- نحو بر الأمان، فاليمن يمثل عمقاً استراتيجياً لهم وخزانا بشرياً يستطيعون به - الى جانب التعمير- إيقاف أي مد يهدد أمن واستقرار الجزيرة والخليج على حد سواء.
ولهذا فإن إنجاح دول الجوار لمؤتمر الحوار يعد استثماراً آمناً لهم قبل أن يكون لنا، فاليمن إذا ما استقر وضعها السياسي فإنها تستطيع أن تستقبل المساعدات الاقتصادية -الموجهة للشعب فقط- كما أن المعضلة الأمنية التي تؤرق دول الجوار لا يمكن حلها إلا إذا ساهم الأشقاء في التئام الجميع حول طاولة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة أو استبعاد لأشخاص أو أحزاب أو منظمات .
ولكي تكون الشراكة مثمرة فينبغي على الدول -التي تريد مساعدة الشعب اليمني- احترام خياراته حتى إن كانت على غير هواها، فالشعب فقط هو من سيحدد طريقه وشكل الحكم القادم، وهو فقط من عليه اختيار قياداته، لأنه متى ما أراد استبدالها -في حالة تقصيرها- فلن يثنيه عن ذلك أحد، كما لن يستطيع أحد كذلك إجباره على شيء.
إذاً فكما لا نستطيع الاستغناء عن جيراننا، لا يقدرون هم أيضاً العيش آمنين مطمئنين بدون أمننا واستقرارنا، وهي بلا ريب معادلة عادلة تؤسس لشراكة حقيقية قائمة على تبادل المصالح المشتركة، والابتعاد عن كل ما يعكر صفو العلاقات بيننا جميعاً، ولا كبير إلا الله.