نتفق على حسن النية في تطبيق المقصد، ونوقن بأهمية حفظ شبابنا من الضياع، ولكن هل من الواجب أن نكرر نفس ما يحدث كل عام؟، ونسقطه حرفياً على العام التالي دون الأخذ بالسلبيات، وإصلاح الخلل، والسعي إلى تلافي الأخطاء.
لو أن القائمين على شؤون المراكز الصيفية أمعنوا النظر في التواريخ التي تم ضبطها لإقامتها هذا العام لوجدوا أنهم أخطأوا التقدير، وخانهم حساب الزمن، فنحن في شهر الصوم، والذي في العادة يتجه فيه الجميع الى الانشطة والفعاليات الدينية والثقافية -نهاراً- وبعض الانشطة الرياضية ليلاً، وهي في مجملها انشطة تقام بشكل طوعي، وتلقائي.. بمعنى ان برنامج المراكز الصيفية المعتمد للسنوات الماضية، لا يفيد الفئة المستهدفة في شهر الصوم.
المعروف أن انشطة المراكز تقام صباحاً، فمن من الاطفال والشباب على استعداد للمجهادة من أجل النزول للمركز الصيفي في شهر الصوم والذي يتصادف مع درجة حرارة عالية؟ في عدن والحديدة والمكلا وغيرها من المدن الحارة، في ظل حرارة هي الأعلى على مدى 33 عاماً، مما يتوجب -صحياً- الاحتفاظ بالأطفال في بيوتهم حتى يتجنبوا ضربات الشمس وحرارة الفصول، فالمعلوم أن جميع المدارس في رمضان لا تشهد الاقبال الطبيعي، بل ويتم تقليص ساعات الدراسة، فكيف نأتي بهم اليوم لنطبق برامج مكثفة.. الأمر لا يستقيم، إلا إذا كان المقصود إقامة المراكز من أجل صرف مخصصاتها المالية فقط، وعندها يمكن أن نسميها المراكز الصرفية لا الصيفية.
كنت قريباً من عمل المراكز الصيفية لعدة سنوات بحكم العمل الإعلامي، ولكني ولله الحمد لم اشترك في رئاسة أي مركز أو حتى في عضويته، ومرد الحمد ان ما يحدث فيها شيء فضيع فالممتهن فيها هي الفئة المستهدفة، فلا يجدون حتى كيس ماء، بينما المبالغ المرصودة للمراكز كبيرة، حتى وسيلة المواصلات لا تعطى لهم إلا في حالة اقامة نشاط جماعي في المركز الثقافي، وتوفير وسيلة المواصلات يكون بداعي توفير اكبر عدد من الحضور، وبعد انتهاء الفعالية لا يدري الاطفال من يعيدهم للمكان الذي اخذوا منه.
المعارض التي تقام على مستوى المحافظات هي ذاتها التي تقام سنوياً، ولكن بتغيير مكانها، رؤساء اللجان وأعضاؤها هم أنفسهم، الغريب ان الاسماء المرفوعة عن المشاركين هم ذاتهم، فكل محافظة تريد أن تسجل أنها الأولى من حيث المشاركة.. وبطبيعة الحال الوثائق المرفوعة في نهاية المطاف هي المتعلقة بإخلاء العهد المالية، أما جوانب الاستفادة، والاعتراف بالقصور، ومحاسبة المقصرين منعدمة.
لا نقول هذا الكلام بغرض التقليل من اهمية المقاصد التي تسعى المراكز لتحقيقها، ولا لتثبيط همم القائمين عليها لا سمح الله، ولكننا نقول ذلك من غصة التطبيق، ورداءة الممارسة، وسوء التوقيت، والابتعاد عن نقد الذات، والاعتراف بالخطأ.. فالمبالغ التي تصرف ليست بالقليلة، ومعظمها تسييرية، أما ما يخص الاستفادة فغير معني بها أحد.. والحقيقة التي ينبغي ان نعترف بها جميعاً، ان تقييم النجاح والفشل غير موجود، فليخبرني احدهم كيف يعرف ان المراكز نجحت او فشلت؟ وإذا اجاب بأحد الأمرين سأقول له: ما هو المعيار او المقياس الذي اعتمدت عليه؟، لاسيما أن النجاح هو المؤشر الذي تخرج به المراكز كل عام.
الآباء سنوياً يعزفون عن إلحاق أبنائهم بالمراكز الصيفية، ليس لعدم إيمانهم بدورها، ولكن بسبب الممارسات الخاطئة من إتعاب الاطفال وعدم الاهتمام بهم، وتجويعهم وتعطيشهم، وهي أشياء مجربة.. وتبقى الاُسر التي تريد التخلص من اذية اطفالها هي من تدفعهم للمراكز قصد الاستراحة ولو شهراً من (شقاوتهم) وهنا تصبح المراكز مأوى للعقاب الاُسري وليس للاستفادة العلمية.
إذاً، فإن النتيجة الطبيعية تقود الى الاعتراف بأن اقامة المراكز مهمة، ولكنها في توقيت هذا العام غير مجدية إطلاقا، خاصة إذا سيرت بذات العقلية وبنفس البرامج، ولهذا فمن المعيب التحدث عن استفادة الفئة المستهدفة في أجواء ليست ملائمة.. ولهذا فمن الطبيعي ان تقتصر العملية برمتها على عملية ديكورية يحضر بعضها وسائل الاعلام لتغطية حضور المسؤولين عند التدشين والختام... وان تتركز في صرف الميزانية المخصصة، لأنها لو لم تصرف هذا العام لحصلت كارثة ستمس بالقيمة العلمية لأبنائنا وبناتنا!!.