مسيرات مجدداً في سماء بورتسودان والبرهان يحدد شروطاً للهدنة والتفاوض




الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
في محاولة لفك الحصار عن مدينة بابنوسة بغرب كردفان شن الطيران الحربي للجيش غارات جوية عنيفة على مواقع تمركز قوات "الدعم السريع" في محيط المدينة، في وقت تواصل الأخيرة الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط المدينة، شملت دبابات وآليات ثقيلة ومدافع بعيدة ومتوسطة المدى وفق مصادر محلية.
وكشفت مصادر عسكرية عن أن غارات الجيش الجوية على محيط بابنوسة ركزت على فتح الطريق أمام وصول الإمداد البري إلى داخل المدينة، بقصف نقاط الارتكاز وإسكات مدفعية "الدعم السريع" التي كانت تستخدم في قصف مقر الفرقة 22 مشاة، بتدمير أربعة مدافع عيار 120 ميليمتراً بكامل أطقمها، وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الضربات الجوية استهدفت أيضاً تجمعات لـ"الدعم السريع" تضم مسلحين بينهم مرتزقة أجانب تم حشدهم لشن هجوم واسع على قيادة الفرقة. وتوقعت المصادر أن تشهد الساعات المقبلة اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في محيط الفرقة 22 في بابنوسة.
في الوقت نفسه تابعت مقاتلات الجيش غاراتها على مواقع "الدعم السريع" بمناطق بارا وغرب الأبيض والخوي بشمال كرفان وأبو زبد والنهود وبابنوسة بغرب كردفان، واستهدف الطيران الحربي تجمعات "الدعم السريع" في منطقة المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر وشن غارات مكثفة على عدد من مواقعها في كل من مدينتي نيالا وزالنجي جنوب ووسط دارفور، كذلك قصفت المقاتلات الحربية للجيش أهدافاً بمنطقة أبو زبد بغرب كردفان وفي مدينة الضعين بشرق دارفور دمرت خلالها خزانات متحركة للوقود والأسلحة.
من جانبها اتهمت "الدعم السريع" طيران الجيش بقصف المواطنين في سوق أبو زبد المركزية مخلفاً عشرات القتلى والجرحى، وأعلنت أن قواتها تواصل القصف المدفعي على مقر الفرقة 22 للجيش بمدينة بابنوسة، وتتقدم بثبات نحو الفرقة تمهيداً للالتحام المباشر لاقتحام مقر الفرقة، وقالت على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي إنها خاطبت منسوبي فرقة الجيش بفتح ممرات آمنة أمام من يسلم سلاحه
ويرغب في مغادرة المدينة، وقبل يومين أعلنت "الدعم السريع" أنها باتت تحكم الحصار على مقر الفرقة بعد بسط سيطرتها الكاملة على ثلاثة محاور في المدينة.
وتدخل المعارك المحتدمة في الصراع على المدينة التي تتحصن بداخلها قوات الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش، أسبوعها الثالث على التوالي، تصدت خلالها قوات الجيش لثلاث موجات هجومية ضمن محاولات "الدعم السريع" لاختراق دفاعاتها، ومنذ أكثر من عام تحاصر "الدعم السريع" مدينة بابنوسة في وقت ظلت فرقة الجيش المدافعة عن المدينة تتلقى الدعم والإمداد عبر الإسقاط الجوي، وتصدت خلال هذه الفترة لسلسلة هجمات.
وفي تطور مفاجئ عادت المسيرات مجدداً إلى سماء العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان، وكشفت مصادر عسكرية عن إسقاط الدفاعات الجوية طائرة مسيرة استراتيجية قبل أن تصل إلى هدفها بالمدينة، وكانت بورتسودان قد شهدت في مايو الماضي أكبر موجة من الهجمات المسيرة منذ اندلاع الحرب، استهدفت مواقع استراتيجية وخدمية وأخرى عسكرية.
في شمال كردفان أكدت مصادر ميدانية أن قوات الجيش بدأت التقدم نحو مدينة بارا عقب نجاحها في تطهير الطريق الرابط بين أم روابة وعدد من القرى التي كانت تشهد تحركات لـ"الدعم السريع" خلال الأشهر الماضية، وأكدت مصادر محلية وصول متحرك كبير من قوات درع السودان بقيادة اللواء أبوعاقلة كيكل إلى محيط المدينة، لتأمين طريق الأبيض - بارا الحيوي، وتمهيداً لاستكمال تطويق المدينة، وبدء عمليات عسكرية لاستعادة السيطرة عليها.
في شمال دارفور وصل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، في اليوم الثالث لزيارته الميدانية لدارفور، إلى طويلة بشمال الإقليم، وبعد وقوفه ميدانياً على أوضاع النازحين الفارين من الفاشر، كتب على منصة "إكس" "قضيت وقتاً مع أمهات ونساء يعانين سوء التغذية الحاد في طويلة، وعانين قسوة فظائع حصار الفاشر، لقد فشل العالم في حمايتهن، ويجب ألا نخذلهن مجدداً".
وكشفت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين عن نزوح أكثر من 100 ألف شخص من الفاشر والمناطق المحيطة بها خلال أسبوعين فقط من سقوطها في يد "الدعم السريع"، بينما لا يزال كثر إما في الطريق أو عالقين داخل المدينة، وأعلنت غرفة طوارئ معسكر "سلك كورما" للنازحين استقبال عدد من الأسر النازحة من مدينة الفاشر، غالبيتها نساء وأطفال، وقد وصلت سيراً على الأقدام وعبر طرق غير آمنة وسط نقص حاد في الغذاء والمياه نتيجة استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية داخل المدينة.

في الأثناء دعا رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان السودانيين إلى الاستنفار، مطالباً كل من يستطيع حمل السلاح بالتقدم والانضمام للمعركة "لهزيمة هذه الميليشيات المتمردة والقضاء عليها في كل مكان"، أكد البرهان، لدى زيارته منطقة السريحة بولاية الجزيرة، أن هذه المعركة لن تنتهي إلا بالقضاء على "الدعم السريع"، وليس باتفاق أو هدنة، "لأن الشعب السوداني لن يقبل بهم ولا بداعميهم، بعد معاناته جراء انتهاكاتها البشعة في حق المدنيين العزل الذين تعرضوا على يدها للقتل والنهب والسلب والاغتصاب".
واشترط البرهان لأي تفاوض محتمل مع "الدعم السريع" "تسليم سلاحها وتجميعها في معسكرات خارج المدن قبل أي حديث عن التفاوض"، مطالباً "المجتمع الدولي بجمع سلاحها حتى يتحقق السلام بالبلاد".
وتعرضت قرية السريحة الصغيرة بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم في الـ25 من أكتوبر العام الماضي، لمجزرة قتل فيها ما لا يقل عن 140 شخصاً وجرح أكثر من 200 آخرين.
ورداً على شروط البرهان وإعلانه الاستنفار، قال مستشار قائد "الدعم السريع" الباشا طبيق إن شروطه "بعيدة من الواقع ولا تعدو كونها مجرد أحلام يقظة"، مبيناً أن على المجتمع الدولي والبرهان أن يدركوا أن القضية لم تعد سياسية فحسب "فالقضية أصبحت وجودية بالنسبة إلى ملايين السودانيين الذين يتطلعون إلى الحرية والسلام والعدالة والمساواة"، ووصف طبيق، في منشور على منصة "إكس"، رفض البرهان الدخول في أي مفاوضات وإعلانه التعبئة، بأنه يمثل رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي في شأن موقفه من مبادرات إنهاء الحرب في السودان، ورداً مباشراً على تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأخيرة، وأشار إلى أن "مسيرة تحرير السودان من قبضة تجار الحروب والميليشيات ستستمر على رغم محاولات إطالة أمد الصراع وعرقلة جهود السلام".
من جانبها رحبت الحكومة السودانية بقرار مجلس حقوق الإنسان بإدانة الفظائع والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها "الدعم السريع" والمجموعات المتحالفة معها داخل مدينة الفاشر وفي محيطها، مثمنة ما ورد في القرار من تأكيد قوي على احترام سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والتضامن الثابت مع شعبه. وقال بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي إن الانتهاكات شملت القتل على أساس العرق والتعذيب والإعدامات خارج نطاق القانون والاحتجاز التعسفي للمدنيين والتجنيد القسري، إضافة إلى الاغتصاب وغيره من صور العنف الجنسي كسلاح في الحرب. ونقل البيان ترحيب الحكومة بما تضمنه القرار من مطالبة الأطراف والدول كافة باحترام وحدة السودان وسلامة ترابه، ورفض أي محاولات لإنشاء سلطة موازية في المناطق التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، وأكدت الوزارة
التزام التعاون والتنسيق مع آليات حقوق الإنسان العاملة في البلاد بهدف تمكينها من أداء مهامها، وضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، ومنع الإفلات من العقاب.

وفي إشارة إلى مجموعة "الرباعية"، شدد بيان الخارجية السودانية على أن المكتب القطري لحقوق الإنسان هو الآلية الموجودة على الأرض والقادرة بالتنسيق مع الآليات الوطنية، على رصد ورفع التقارير حول الفظائع التي ارتكبتها "الدعم السريع" في الفاشر، فضلاً عن الانتهاكات الواسعة في مدن وولايات سودانية أخرى.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد اعتمد في جلسته الخاصة، أمس الجمعة، بإجماع أعضائه، قراراً بإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة، للتحقيق في عمليات القتل الجماعي التي جرى الإبلاغ عنها داخل مدينة الفاشر عقب سيطرة "الدعم السريع" عليها. ومن المنتظر أن تعمل البعثة على تقصي الحقائق وتحديد هوية مرتكبي الانتهاكات التي تتهم هذه الجماعة وحلفاؤها بارتكابها بالفاشر توطئة لمحاسبتهم وفق القانون الدولي. وفي كلمته أمام الجلسة، وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك العنف في الفاشر بأنه يشكل "وصمة عار" على المجتمع الدولي الذي فشل في وضع حد له، وحذر من تصاعد العنف في إقليم كردفان حيث القصف والحصار وإجبار الناس على النزوح، ودعا المفوض السامي إلى القيام بجهود منسقة لمحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، إلى جانب اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات الذين يؤججون ويستفيدون من حرب السودان. وانتقد تورك ما وصفه بالتظاهر المبالغ فيه مع القليل من الفعل من جانب المجتمع الدولي إزاء الفظائع التي وقعت في الفاشر، منوهاً بأن ما حدث هناك هو من أخطر الجرائم التي كانت متوقعة وكان من الممكن منعها، مضيفاً "حذرنا مراراً من الحصار الخانق الذي دفع الناس إلى أكل علف الحيوانات وقشور الفول السوداني، ومن تفشي المجاعة ومن المذبحة التي توقعنا حدوثها حال سقوط المدينة في قبضة ’الدعم السريع‘"، مطالباً بضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في الفاشر والمناطق المحيطة بها، وأكد المفوض السامي أن فريقه يقوم بجمع أدلة على الانتهاكات يمكن استخدامها في مرحلة الإجراءات القانونية، وأن المحكمة الجنائية الدولية تتابع الوضع من كثب.
في هذا الوقت، أكد وزير الخارجية الأميركي، في اتصال هاتفي مع نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، أهمية وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في السودان، وأتى الاتصال بعد أيام قليلة من دعوة روبيو إلى تحرك دولي لقطع تدفق إمدادات الأسلحة إلى "الدعم السريع"، وتوجيه انتقادات حادة لها بوصفها "مشكلة جوهرية في الصراع، ولا تلتزم ما تقول في شأن حماية المدنيين، وتقوم بممارسة انتهاكات ممنهجة في حقهم".

على صعيد آخر طالب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية من القضاة توقيع عقوبة السجن مدى الحياة على علي عبدالرحمن الشهير بـ"على كوشيب" بعد إدانته بـ27 تهمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأوضح أن العقوبة المؤبدة هي الوحيدة التي تعكس التهم التي دين بها "كوشيب" المتمثلة في الاستهداف العرقي والسياسي ضد الفور (جماعة عرقية في إقليم دارفور) وغير العرب، إذ قتل 213 مدنياً في الأقل فضلاً عن تهم باغتصاب نساء وفتيات وتعذيب ومعاملة قاسية لـ200 محتجز، وحرق القرى والأسواق والمنازل، وتهجير 3400 أسرة من دارفور.
