ظل تفكيري يسبح، وأنا أغوص في فكرة تأسيس منبر «صحفيون من أجل فلسطين» مع بعض الزملاء من إخواننا الصحفيين العرب. كنا ما زلنا في خطواتنا الأولى، لكن قلبي كان ينبض بحقيقة واحدة: الأمة العربية تتجسد في فلسطين وشعبها، الذي يحمل على عاتقه معاناة الأمة كلها. شعور غريب اجتاحني، لكنه كان حقيقة لا يمكن تجاهلها، وكأن هذه الأمة وُلدت من رحم فلسطين، وتربت على صمود شعبها، وحملت آماله وآلامه كجزء لا يتجزأ من وجودها وهويتها. في كل تفصيل من هذه القضية، شعرت بعمق رابط لا ينكسر بين فلسطين وكل أركان الأمة، وكأن مستقبل العرب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحرية هذا الشعب وصموده.
فلسطين ليست مجرد أرض أو صراع سياسي محدود، بل هي قلب الأمة العربية والإسلامية، ومرآتها التي تعكس وحدتها وقوتها وهويتها. كل دم فلسطيني يُسفك، وكل ظلم يُمارس، ليس مجرد مأساة محلية، بل هو اختبار حقيقي لوعي الأمة واستعدادها للدفاع عن قيمها ومصالحها ومستقبل شعوبها. من يظن أن فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم، أو أن معاناتها لا تمس غيرهم، فهو واهم، ومن يظن أن الدم الفلسطيني لا يعكس مصير الأمة، فهو أحمق، ومن يعتبر الدفاع عن فلسطين مجرد حماية لأرض وحدها وليس للأمة كلها فهو جاهل.
منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، مرورًا بتقسيم سايكس–بيكو، لم تتوقف القوى الاستعمارية عن محاولات تفتيت الأمة وتقسيم شعوبها، لتظل مشتتة وضعيفة وعُرضة للاستغلال والسيطرة. لقد أدرك الاحتلال منذ القدم أن قوة الأمة تكمن في وحدتها، وأن أي خلاف داخلي أو انقسام هو فرصة لتوسيع سيطرته وإضعاف مقاومتها. واليوم، لم تعد أدوات الاحتلال تقتصر على القوة العسكرية أو الاستيطان، بل امتدت لتصبح أدوات استخباراتية وسياسية وثقافية متقدمة، تهدف إلى إشغال الأمة بنفسها، وخلق الانقسامات الداخلية، وإضعاف قدرتها على مواجهة الظلم.
في هذا السياق، جاء تأسيس منبر صحفيون من أجل فلسطين إدراكًا لأهمية توحيد الكلمة وتوحيد الصفوف. فالوحدة ليست شعارًا يُرفع، بل مسار عملي واستراتيجي يحدد قدرة الأمة على مواجهة الاحتلال، ويعزز التضامن العربي والإسلامي. الإعلام الموحد والواعي هو سلاح فعال لتوحيد الرؤى، وكبح محاولات الانقسام، وفضح المؤامرات التي تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية وتقسيم الأمة.
القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع سياسي أو تاريخي، بل هي محور الاستقرار والتنمية والسيادة للأمة العربية والإسلامية. حرية فلسطين هي ضمانة لوحدة الأمة، ورفض الاحتلال هو رفض لكل أشكال الاستغلال والخضوع للسياسات الاستعمارية القديمة والجديدة. أي انشغال داخلي أو صراع بين الدول العربية والإسلامية يمثل هزيمة مسبقة قبل مواجهة الاحتلال، ويبعد الأمة عن طريق النهوض والتحرر.
فلسطين ليست أرضًا فقط، بل هي قوة الأمة وضميرها الحي وشرط وحدتها واستقرارها. الدفاع عنها ليس خيارًا، بل استراتيجية للبقاء السياسي والثقافي للأمة، وسبيل لإنهاء الانقسامات المزمنة التي تهدد مستقبلها. من يدافع عن فلسطين يدافع عن الأمة، ومن يغفل عنها يغفل عن جوهر بقائه وقوة مستقبله. فلسطين ليست قضية الماضي فقط، بل مفتاح المستقبل، وركيزة وحدتنا، وضمانة استمرار هويتنا كأمة موحدة.
إن حماية فلسطين وتعزيز وحدتها هو واجب الجماهير والمثقفين والقيادات والإعلاميين وكل من يحمل شعلة الحرية في قلبه. فالذي يظن أن الأمة العربية والإسلامية قادرة على النهوض والاستقرار بمعزل عن فلسطين فهو مخطئ، والذين لا يرون الدم الفلسطيني جزءًا من مصير الأمة هم جاهلون. فلسطين هي القضية التي تجمع الأمة، وتقويها، وتحدد قدرتها على الصمود والمواجهة.
* رئيس اللجنة التحضيرية لمنبر صحفيون من أجل فلسطين
