يقال (هذه المدينة لا تنام) للإشارة الى حيوية سكانها ونشاطهم المستمر على مدار الساعة، أي تشهد حركة دائمة ونشاط تجاري وثقافي واجتماعي لا يتوقف ليلا ونهارا.
وعدن مدينة ينام شبابها نهارا ويسهرون ليلا نتاج ظاهرة تعاطي القات في اركان الحوافي، وبدلا من معالجة هذه الظاهرة ومكافحتها ليستقيم حال الجيل، من جيل مخدر مدمن قات وما يتبعه من حبوب وشمة ومعسل ومخدرات، الى جيل مستقيم حيوي نشيط منتج فاعل مع المجتمع مؤثر ايجابي في التطور والرقي والازدهار.
تبرز ازمات اكثر خطورة وهي تعطيل التعليم، حيث توقفت حركة تنمية النشء، وبناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة، تنمي ابداعاته ومهاراته وافكاره ليكن قادرا لمواكبة حركة التطور في المجتمعات المتقدمة.
يلعب التعليم و المدرسة دورًا حيويًا في تنمية النشء، حيث لا تقتصر وظيفتهما على نقل المعرفة والعلوم فحسب، بل تمتد لتشمل التربية وبناء الشخصية وتعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية، بل حركة الذهاب الى المدرسة بحد ذاتها حركة مهمة يكتسب فيه النشء نشاط وحيوية، ويتعود على النظام والالتزام بالزي والوقوف في طابور الصباح لأداء القسم وتحية الوطن، له اهمية كبرى على الأصعدة التربوية الاجتماعية والوطنية، وغرس الانضباط والمسؤولية، وتعزيز قيم الولاء والانتماء، فيه تتاح فرص للأبداع وصقل المهارات، رياضيا وفكريا وثقافيا من خلال الاذاعة المدرسية وتنشيط الفكر والبدن .
تصور اليوم اطفالنا وشبابنا يسهرون الليل وينامون النهار، لا مدارس ولا معاهد ولا جامعات، أي ان المعنيين تخلوا عن دورها في تربية الأجيال، وذلك من خلال عدم اهتمامها ببناة المستقبل، ومحور العملية التربوية والتعليمة وهو( المعلم ).
المعلم حامل رسالة وطنية وانسانية، ويفترض ان يكون ذو مكانة عالية في المجتمع، كما وصفه احمد شوقي (قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا • كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا) فوضعه بمقام الرسل، وللرسل مقام عالي ومكانة رفيعة بين اممهم .
فحال المعلم اليوم حال يرثى له، لا راتب محترم ولا مكانة تليق به ، ولا معيشه تصونه من الجوع والفقر والذل والمهانة، ولا حصانة مجتمعية ترفع من شأنه وتحمية من الانتهاكات، فحاله هذا انعكس على حال التعليم والتربية والعلم والمعرفة، فأفل نور العلم ليترك للجهل ان يسود، ويسود معه الجهلة والمتخلفون، وهذا هو حال المجتمع اليوم والوطن.
هل يدرك المسؤولين خطورة انهيار العملية التربوية والتعليمة، ام انهم غائبون او مغيبون عن ما يحدث، بلد لا تستطيع ان تقدم للمعلم ابسط حقوقه، مهما كانت المعوقات والازمات التي تعصر بالوطن، كنا نتوقع ان تبرز مسؤولية حقيقية في مرحلة استثنائية، يظهر مسؤولين استثنائيين يحرثون في البحر ليزرعوا بذور الخير في مجتمع فقد كل شيء، وعليه ان لا يفقد الامل، والامل في التعليم والعلم والعرفة، امل النهضة والرقي وتجاوز الصعاب.
النقابات اشتغلت سياسة فأفسدت قضية المعلم، وعندما تطغوا المزايدة السياسية، ويغيب العقل التفاوضي، الذي يضع الحق العام فوق كل الحقوق الخاصة ، تفسد القضية، حيث تغيب الحلول التي تحقق للمعلم جزءا من مستحقاته، وتحفظ له مكانته الاجتماعية، وتقدس رسالته السامية، ومع الاسف ان النقابات وضعت المعلم في مواجهة حقيقية مع المجتمع، ومع اولياء الامور المعنيين في حقوق ابنائهم ( النشء)، وتحول الاضراب لأداة سياسية ، عصفت بالتعليم في عدن، وعندما نقول عدن نوكد ان المحافظات الاخرى يكاد يكون التعليم فيها مستمر، من خلال ما وضعت من حلول لدعم راتب ومعيشة المعلم ومكانته، ويأتيك احدهم من تلك المحافظات التي فيها التعليم مستمر، ليحرض على تعطيل التعليم في عدن، بل يهدد ويتوعد بخطاب لا يقدم حلول بل يعقد من الازمة، مع العلم ان الوطن بكل شرائحه الوظيفية يعاني، وان المعنيين لا يهتمون ويبدوا انهم لا يملكون حلولا، واننا امام ازمة إرادة، وجب معالجة هذه الازمة بالطرق المكفولة قانونا، حتى تحل كل القضايا ومنها قضية المعلم.
مع العلم ان القانون النقابي ينص على الاضراب بحيث لا يضر بالحق العام، ويحدد فترة زمنية تضمن عدم هذا الضرر، ولكننا اليوم نعيش فترة انتهاك للقانون و نظام الدولة والمهنية، بسبب غياب الكفاءة والانتخابات والشرعية ، كلا يتخذ شرعيته من مزاجه، ويشكل مكونات تخدم هذا المزاج، فصار التعليم والمعلم والوطن والمواطن ضحايا هذه الامزجة.
لا تنهض الامم الا بالتعليم والعلم، والسؤال من المستفيد من تعطيل التعليم وتغييب العلم ؟ و واقعنا اليوم يجيب على هذا السؤال ....!