قال الفقيد عبدالله باذيب في رده على تساؤل الشيخ البيحاني عن من هو العدني؟ وماهي الروح العدنية؟ عام 1950:
(إننا يا سيدي نحمل روحاً عدنية، وإن لم نكن من نسل ذلك الصياد القديم ..وهناك فرق كبير بين سلالة الروح وسلالة الجسد، وحب الأوطان وعبادتها تنبت من الأرواح وليس من أعضاء الجسم ).
هذه هي عدن، روح قبل ان تكون جغرافيا ونسلاً، والروح هنا هي محتوى البيئة الفكرية والثقافية التي احتوت كل الاعراق والثقافات والاديان، وتشكل نسيجها الاجتماعي من كل الوان الطيف الفكري والعقائدي، والتعدد السياسي، بيئة تخلقت في رحمها الحركة العمالية، نواة الحركة الوطنية اليمنية، الرافد المهم في تبلور فكرة الدولة الوطنية (الجمهورية) في المنطقة، هذه البيئة التي اوجدت المنتديات الثقافية والفكرية، وضبطت الاختلاف والتنوع ليثري المجتمع وينميه، جعل من عدن منارة وإشعاعا، فتصدرت قمة المجد وأصبحت يشار لها بالبيان، كثاني ميناء عالمي، ومركز اقتصادي وتجاري دولي، جلبت كل العقول النيرة والكفاءات والمهنيين، من كل بقاع الارض، ليشكل معا نور عدن وروحها الاخاذ، تلك الروح التي تعايش فيها كل هذا التنوع بسلام وامان، التنوع الذي افضى للرقي والتطور والازدهار.
عدن السباقة بكل جديد، كهرباء وماء واتصالات وتعليم وفن ومسرح ورياضة وثقافة وفكر، عدن مصدر تزويد الدولة الفتية بعد الاستقلال بنظام المهندس البلدي والخزانة العامة، وكوادر وكفاءات ادارية نوعية، وقامت الدولة على اكتاف عدن ومقوماتها، فكانت مصدر نماء وخير، ويبقى السؤال ما الذي حدث حتى تجازى عدن، وهي اليوم تتلقى ضربات الجهل والجهالة، الفقر والجوع والمرض، وتصارع العنصرية والكراهية.
الاجابة على هذا السؤال مرة بمرارة الصراعات التي تعرضت لها عدن ما بعد الاستقلال، حينما غزتها القبيلة(بعقلية الثأر) وتسببت بضرر في نسيجها، وتشوهات في ارثها الثقافي والفكري، وعطلت مقوماتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي، وانهت دورها الدولي، ليبحث العالم عن بديل، في سنغافورا وهونج كونج، ودبي حيث لا موقع استراتيجي ولا مقومات ربانية، انها الصناعة والاحتكار والاستخبارات، وسياسة زراعة البؤر، وكانت عدن ضحية كل ذلك، وما زالت تصارع المؤامرات.
سقطت الايديولوجيا، وتحول الاممي لقبيلي، ومن كان ينهل من عدن علماً وحضارة صار اليوم يبحث كيف يستهدف هويتها التي تشكلت على مدى قرون، ليكسوها بهوية غريبة تم قطفها من مشتل استخبارات الاعداء، (خذوا البلد ونبصم لكم بالعشر)، وهي امتداد للكارثة، واعدت السيناريوهات وجهزت المخططات، للسيطرة على عدن، وتم عسكرة الحياة فيها(القبيلة والمعتقد)، ليموت فيها المشروع الوطني، ومشروع الامة، ويدفن في ارضها الطاهرة، وهيهات ان تستسلم عدن وستقاوم.
عدن كانت وما زالت تحمل مشروع الدولة الجامعة، دولة المواطنة والنظام والقانون، بطيفها المتنوع، وتعددها السياسي والفكري، وتعايش الاعراق والثقافات، في ظاهرة لا مثيل لها ولا شبه، عدن تصبر وتتحمل، تترك مجالا لمخاض سياسي وفكري تتبلور فيه الافكار، لكن لا تخون القيم والمبادئ، ولا تسقط اخلاقيا في مستنقع العنصرية والجهوية، عدن هي المشروع الوطني الكبير، هي منارة الامة العربية والدولة الوطنية، هي الجمهورية والثورة، عدن الحرية والاستقلال، لا تقبل التبعية والارتهان لغير الوطن والسيادة الوطنية.