بعد توحيد اليمن الشمالي والجنوبي في عام 1990، كانت الآمال معقودة على بناء دولة حديثة تحقق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. إلا أن هذه الطموحات اصطدمت بجدار الفساد الذي ترسّخ وأصبح أحد أكبر معوقات التنمية والاستقرار في البلاد. خلال العقود الثلاثة الماضية، وخاصةً العقد الأخير، تحول الفساد إلى منظومة مترابطة يديرها ما يمكن تسميتهم بـ”حيتان الفساد”، الذين استحوذوا على الموارد والثروات وأضعفوا مؤسسات الدولة.
من خلال الاستيلاء على الموارد العامة:
تركزت عمليات الفساد على نهب الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، حيث تم تحويل العائدات إلى حسابات خاصة بدلاً من توجيهها لدعم الاقتصاد الوطني. تقارير عديدة أشارت إلى أن قادة نافذين في الحكومة والمجتمع السياسي تورطوا في شبكات فساد أضرت بالخزينة العامة.
وكذلك الفساد في القطاعات الخدمية:
انعكس الفساد بوضوح في تدهور الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. تم استخدام العقود والمناقصات كوسيلة لتحصيل المكاسب الشخصية، بينما بقي المواطن اليمني يعاني من تدهور مستمر في الخدمات.
كما أن اليمن آنذاك واليوم شهد تضخيمًا للإنفاق الحكومي في قطاعات غير إنتاجية، مثل تمويل الموالين السياسيين والعسكريين. هذه السياسة أضعفت المؤسسات وركزت السلطة والثروة في أيدي قلة.
الفساد المالي والإداري:
تعددت أشكال الفساد المالي، من التلاعب بالموازنات العامة إلى غياب الشفافية في الحسابات الحكومية. كما أُسست شبكات معقدة من العلاقات بين رجال الأعمال والمسؤولين، مما أدى إلى تعطيل سيادة القانون.
رغم أن التوحيد كان خطوة تاريخية لتحقيق التنمية والاستقرار، إلا أن ضعف البنية المؤسسية وسيطرة النخب السياسية على مفاصل الدولة جعل من الوحدة فرصة لتعزيز مصالح شخصية. تم تجاهل تأسيس أنظمة رقابة ومحاسبة فعالة، ما خلق بيئة ملائمة لانتشار الفساد.
خلال العقد الماضي، وخصوصًا مع اندلاع الحرب في 2015، شهدت اليمن تصاعدًا غير مسبوق في مظاهر الفساد. تم استغلال الصراع لتوسيع نفوذ حيتان الفساد الذين زادوا من عمليات النهب في ظل غياب شبه كامل للرقابة. كما أدى التدهور الاقتصادي إلى تعميق الفجوة بين النخب والمواطنين، حيث استمر استغلال المساعدات الإنسانية وموارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية.
وبذلك تدهور الاقتصاد الوطني: أدى الفساد إلى إهدار الموارد وعرقلة الاستثمار، مما جعل اليمن واحدة من أفقر دول العالم.
وزيادة معدلات الفقر: استفادت النخب من الفساد، بينما ارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل مأساوي.
إضعاف الثقة بالدولة: تعززت الفجوة بين الحكومة والشعب بسبب غياب المحاسبة وانتشار الفساد.
ان الفساد في اليمن، وخاصةً بعد توحيد اليمنين، كان ولا يزال التحدي الأكبر أمام بناء الدولة. لا يمكن تحقيق أي استقرار أو تنمية حقيقية دون مواجهة جادة لهذه الظاهرة التي استنزفت موارد البلاد وأضعفت مؤسساتها. تظل المعركة ضد الفساد مسؤولية جماعية تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة في المستقبل.