تشرق الشمس بأجنحتها الذهبية فوق قمم جبال منوى الشامخة، حيث تتناثر القرى والمزارع والبيوت في أرجائها كأنها لآلئ تتوسد السلاسل الجبلية المرتفعة من كل الجهات. منوى مسقط الرأس ليست مجرد منطقة حديثة بمبانيها العصرية؛ بل هي مدينة تحمل في طياتها عمق التاريخ الشبواني، ومن أبرز معالمها الطبيعية جبال وأودية مثل “الضيق”، “ريخة”، “الفراه”، “الغيل”، “الصيعم”، و”نبعة”، التي تتدفق منها سيول الامطار وتنبض بالحياة خلال مواسم الأمطار، حيث تسقي تربتها الزراعية الخصبة البيئة التي تمنح الأرض حياة متجددة.
منطقه منوى وضواحيها ليست مجرد أرض تسكنها قبائل عريقة، بل هي حكاية شجاعة وإرث تليد، خطّه الأجداد والآباء بتضحياتهم في الدفاع عن الأرض والكرامة على مر التاريخ. قبائل المنطقة عرفوا بالشجاعة والإيثار في كل المنعطفات التاريخية الى جانب الدولة وتميز ابناء منوى بالجود والكرم كغيرهم من قبائل شبوة الأبية.
على مر الأزمنة، اتخذ سكان المنطقة جبالها الحصينة ملاذاً آمناً في وجه كل الظروف، ومن بين أبنائها برز العديد من القيادات العسكرية والامنية والادارية والاعلامية والشخصيات الاجتماعية التي أضاءت سماء الوطن بإنجازاتها، الى جانب عدد من الشهداء الذين كان لهم شرف الاستبسال في الدفاع عن الوطن جميعهم سطروا ملاحم مجد الإنسان الأصيل والشهامة والجود، ليبقى الماضي شاهداً على عراقة ابناء منوى، ويظل الحاضر امتداداً لجذورها الراسخة.
نعم اكتب هذه السطور وقد اجبرتني الظروف على البعد عن موطني ولكنها تبقى في القلب والوجدان لأنها قريتي التي لا تفارقني ذكرياتها، تلك التي في كل زاوية فيها تحكي حكايات طفولتنا وضحكاتنا البريئة، قريتي التي تعانق جبالها السحاب شامخة بشموخ أهلها. في تجمعاتها السكانية اكلنا العيش والملح و ترعرعت أحلامنا الصغيرة، وفي أزقتها رسم اهلها وشبابها مجد كرم الضيافة.
قريتي منوى في مديرية عين شبوة لا تعرف رفاهية المقاهي الحديثة، لكنها كانت ولا تزال برجالها وشبابها واهلها الكرماء مقهى الروح، حيث يجتمع كل الأحبة على بساط البساطة والود، يتجمعون تحت ضوء القمر أو دفء الشمس، يضحكون كأنهم يملكون الدنيا وما فيها بغنى نفوسهم الطيبة هي قريتي التي يروي اهلها جيلا بعد آخر قصص الكرم والضيافة كأنها إرث مقدس، فيها تجد الطيبين الذين يفرحون بضيوفهم على الرحب والسعة.
قريتي منوى تجمعات سكانية وبيوت متناثرة في الشعاب والاودية يحرس بيوتها الجبال وكأنها عروس تزف على قمة الحلم. أهلها يتنفسون عبق الأخلاق وكرم الضيافة والنبل، كأنهم امتداد طبيعي لمعالم الجبال التاريخية والسهول، يحملون بين أضلعهم كنوزاً من القيم التي توارثوها عن الآباء والأجداد واحدا بعد الآخر.
قريتي وانا بعيد عنها، اهلها وناسها يسألون عني ويصلني منهم السلام وطيب الكلام يحمل في طيات عباراتهم الشجن والود ومزيج احترام آبائهم واجدادهم لمرحلة عبرت من الزمن هنا كل الشباب يكمل مسيرة اهله من حيث انتهت بدءا بالاحترام وعلى الجود والاحسان، منطقتي منوى رغم البعد وشجن الفراق لكنها تبقى شمس الصباح فيها تنير القلوب قبل الأرض، ونسيمها يحمل معه الأمل والأمنيات. هناك، تعلمت أن البساطة جمال، وأن العيش في حضن الطبيعة ثراء لا يُقاس. منطقتي منوى هي موطني الأول ومرسى روحي كلما ابتعدت، أحن إليها حنين الغريب إلى احضان والديه.