شيء طيب أن هناك نوايا للإصلاحات. لكن النوايا وحدها ليست بقادرة على تحقيق الأحلام والأماني. مشكلة الإصلاحات في بلادنا انها دائما ما تظهر فجأة وتختفي كما ظهرت دون أن نلمس نتيجة على الأرض، ولذلك شهد اقتصاد البلاد تطورا عكسيا.
مرد ذلك يعود لكون فكرة الإصلاحات عادة ما تكون استجابة لرغبة سياسية لحظية يراد بها تمرير بعض الأجندات. أي أنها ليست استراتيجية دولة طويلة الأجل ومعزولة عن الشعارات الانتخابية وألعاب الكيد، وتسير بوتائر معينة وفقا لأهداف مبوبة ومجدولة زمنيا. بمعنى أن صانع القرار من أي طيف كان يعلم ما الذي يجب تحقيقه، في كل مرحلة لأن النتائج ستكون قابلة للقياس.
لقد كانت عمليات الاصلاحات في كثير من الدول مؤلمة ولكنها مثمرة. لأن تلك الدول استوعبت ليس فقط حاجتها للإصلاحات ولكن أيضا حاجة الإصلاحات المنتظرة للأدوات التي تضمن نجاحها.
من الأدوات الضامنة لنجاح عملية الإصلاحات: أولا، توفر الإرادة السياسية التي تصر على السير بعملية الإصلاح حتى النهاية مهما كانت المعوقات، وحجم التنازلات التي تتطلبها، لأن الإصلاحات الناجحة حتما ستأتي على مصالح قوى وأحزاب وشخصيات من مختلف الأطياف تكونت خلال عقود وأصبحت أهم معضلات النمو الاقتصادي والسياسي.
في كوريا الجنوبية مثلا أظهر الرئيس إرادة جديدة ومغايرة لرغبات مختلف القوى وعلى الرغم من أنه رجل عسكري إلا أنه فرض حلولا وخطوات غير تقليدية للنهوض باقتصاد بلاده، وهو ما نراه اليوم. ولا نغفل عن الإصلاحات الصينية، حيث استطاع دنغ شياوبينغ تغيير وجه الصين واقتصادها إلى الأبد، بحيث أصبحت الولايات المتحدة تعتبرها تحديا استراتيجيا إذا لم تكن عدوا.
اما ثانيا، فهو الفريق الاقتصادي الذي ستقع على كاهله مهمة اصلاح ما أفسده (الدهر)، فلا يمكن الركون إلى فريق أثبت فشله على مدى سنوات، وهذا يعني ان التفكير يجب أن ينصب تشكيل فريق متجانس ومنسجم تجتمع فيه عوامل النزاهة والمهنية والكفاءة، ولكن من الذي سيحدد ذلك؟؟؟
لا يشترط خبراء التنمية الديمقراطية لنجاح النهوض الاقتصادي. لأن تشيلي وكوريا الجنوبية مثلا حققتا أعلى معدلات النمو الاقتصادي بدون الديمقراطية لأن رغبة القيادة العسكرية في البلدين في إحداث تنمية اقتصادية حقيقية كانت كفيلة بنجاح العملية.
لقد استغرق رئيس الوزراء وقتا طويلا في تحديد مفهومه للإصلاح المنشود، والذي حصره في خمسة محاور، هي (إعادة هيكلة المؤسسات، وإصلاح الأجور والمرتبات، وإصلاح سياسة التوظيف، إضافة الى بناء القدرات والاتمتة والتحول الرقمي)، نحن مفجوعون بالهيكلة. إن هذه المحاور على أهميتها لن تقود إلى نمو اقتصادي بقدر ما ستقود إلى تعديلات مقصودة في الجهاز البيروقراطي الحكومي، بينما سيظل القطاع الاقتصادي بمختلف فروعه خارج نطاق الإصلاحات.
تتجه الإصلاحات عادة نحو معالجة اختلال الميزان التجاري وردم الهوة بين الواردات والصادرات بتطوير قطاع التصدير وتوسيع آفاقه، خلق وتثبيت ظروف جاذبة للاستثمار الصناعي والزراعي وخلق فرص عمل منتجة. ينبغي تغيير نظام العمل بما يتماشى والنظم الدولية، وربط الأجور بطبيعة ومتطلبات النظام الجديد بدلا من تكرار ما ثبت عدم جدواه. نحن بحاجة إلى رؤية إصلاحية تستجيب للواقع.