ومن القرية كنت اذهب إلى البحر الذي لم يكن بعيدا مع أصدقاء تعرفت عليهم من ابناء الشحر... وميزة مدن البحر انها تقدم لك اصدقاء رائعين بدون تكلف ولا تحتاج إلى وقت كثير لذلك..كانت أحلامنا تتفتح ونرى الأبدية في الماء...
انيس احمد طايع، الشاب الأسمر الذي لاتفارقه الابتسامة.. يعمل ويدرس في نفس الوقت، سعى وراء حلمه ووصل به طموحه لأن يصبح أستاذا في جامعة
عدن بعد نيل الدكتوراة، ايامها كان في الثانوية بينما كنت تلميذا في المعهد الديني ( وسطى) في غيل باوزير.
..محفوظ بن بريك الذي يمرن صوته العذب في الشاطئ بينه وبين نفسه ومع اصدقائه، وحمله طموحه لأن يغدو من فناني الشحر وحضرموت المرموقين.. وكان سعيد عبد النعيم حينها شيخ الطرب في الشحر والمشرق يأتي إلى الديس الشرقية لإحياء حفلات الأعراس وكنت اذهب إليها حيث استمع إلى غنائه العذب وطربه الحضرمي الأصيل وصوته الصافي، ومنه سمعنا اغاني المحضار قبل أي أحد آخر من الفنانين الذين غنوها واشتهروا بها فيما بعد..كنا نسمعها بلحنها الأصلي بدون رتوش ولا إضافات.
.. علي لرضي، وكان اخوه صالح يملك صيدلية لرضي في الشحر واصبحا من اصدقائي، ومحمد باشراحيل الذي كنا نلتقي جميعا في بيته، وقد اصبح بعد سنوات مدير مدرسة.
سعدت كثيرا بالتعرف إلى هؤلاء الأصدقاء الرائعين من ابناء الشحر الطيبين، وكنا جميعا في مقتبل العمر مع تفاوت بسيط، ونحن نتمشى في السيف كانت تتملكنا رغبة في الغناء فننشد مقاطع من بعض الأغاني الصادرة حديثا، وكان محفوظ بن بريك اعذبنا صوتا..والبحر يعطينا شعورا بالسعادة والأمل والامتلاء والحرية والارتياح واحساسا شاعريا حتى لو لم نكن شعراء.. وأيامها كان لاعب كرة قدم في نادي شباب الجنوب..ولم يكن في خاطرنا انه سيكون فنانا معروفا في يوم من الأيام...
(5)
في نفس الفترة او بعدها بقليل، تعرفت إلى محمد حسين الجحوشي.. كان نجما من نجوم كرة القدم، ولاعبا مشهورا في نادي شباب الجنوب الذي يعد من اقوى اندية الكرة في حضرموت، إلى جانب منافسه كوكب الشحر، وكانت الشحر تنقسم كرويا بين الناديين الكبيرين عندما يتواجهان في مباراة من مباريات كرة القدم، مثلما هو الحال في مصر عندما يلعب الأهلي والزمالك. كما كانت له تجارب في التمثيل حيث مثل عدة مسرحيات. ثم توثقت علاقتي بالجحوشي بعد ان انتقل إلى عدن وكشف عن موهبته كشاعر حداثي متمكن ونشرت له بعض شعره في صحيفة “14 اكتوبر”، واصدر ديوانه الأول ( ما لم تقله النجوم ) 1983 وانتظر عشرين سنة ليصدر ديوانه الثاني والأخير (وجه آخر لغرناطة) في 2003، وكتب الشعر الغنائي وحقق فيه النجاح، ولحن له احمد بن غوذل ( غالي..غالي ) التي اشتهرت بصوت الفنان انور مبارك، وسجلها الفنانون عبدالرب إدريس، وعلي الصقير لتلفزيون الكويت. ومن أغانيه التي حصدت الشهرة والنجاح ( بعد هجرك..بعد غدرك..) وكانت نمطا جديدا من الشعر الغنائي..ومعظم أغانيه لحنها له عبدالله بافضل. وبرغم ماحققه محمد الجحوشي من شهرة في عالمي الرياضة والأدب لكنه ظل ذلك الإنسان كما عرفته في منتصف ستينيات القرن العشرين الماضي..الهادئ الخلوق، المتواضع، الذي لاتفارق الابتسامة وجهه ويلفه الحياء ويقطر منه الخجل..
(6)
لا أذكر الشحر إلا وذكرت زملاء دراستي من الشحر في المعهد بغيل باوزير : علي سعيد بارزيق، فرج باحويرث، عبدالرحمن بن شرف، سعيد عوض العمودي، صالح باطويح، محمد رجب العمودي، وسعيد بامساعد من ريدة المعارة والعليب رحم الله من مات منهم وبارك من لا زال على قيد الحياة.
***
تعود علاقتي بالشحر إلى زمن الطفولة، جئتها اول مرة مع ابي قادمين من المكلا في طريقنا إلى الديس الشرقية..لا أذكر الكثير من زيارتي تلك غير انا نزلنا ضيوفا في بيت حسين الصومالي الذي كان متزوجا من بيت جارنا الناخوذة العم سالم بسيس في الديس، وكان يملك سيارة نقل بضائع كبيرة كانت إحدى السيارات القليلةفي الشحر في ذلك الوقت من نهاية الخمسينيات من القرن العشرين الماضي.
(ولمدن البحر بقية )