الأميركيون يختارون رئيسهم في انتخابات تاريخية ومصيرية
واشنطن / 14 أكتوبر / متابعات :
فتحت مراكز الاقتراع في جميع الولايات الأميركية أبوابها، صباح اليوم الثلاثاء، لاستقبال الناخبين للإدلاء بأصواتهم واختيار رئيسهم المقبل. وحتى آخر لحظة كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن السباق لا يزال متقارباً للغاية بين نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية (60 عاماً)، والرئيس السابق دونالد ترمب المرشح الجمهوري (78 عاماً)، بشكل لا يمكن التكهن بنتيجته، وتوقعات بأن تستغرق معرفة الفائز في هذا السباق عدة أيام.
وستقرر سبع ولايات متأرجحة نتيجة هذا السباق ما لم تحدث مفاجأة، وهي: ميشيغان وأريزونا وجورجيا ونيفادا وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن. وأشارت استطلاعات الرأي إلى تعادل حظوظ المرشحين في جميع الولايات المتأرجحة مع تقدُّم طفيف لترمب في أريزونا وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا ونيفادا، وتقدُّم لهاريس في ميشيغان وويسكونسن وجورجيا. وأشار المسؤولون إلى أن بعض الولايات، مثل بنسلفانيا وويسكونسن، لم يُسمح لها بعدِّ بطاقات الاقتراع الغيابية والبريدية حتى يوم الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى إبطاء عمليات الفرز، وتأخر إعلان النتائج.
ومن المقرر أن يُدلي ترمب بصوته شخصياً في أحد مراكز الاقتراع بولاية فلوريدا، ثم يقيم حفلاً لمراقبة مسارات النتائج في منتجع مارالاغو بمدينة بالم بيتش، ليلة الثلاثاء.
أما هاريس فتخطط لحضور ليلة الانتخابات في جامعة هوارد، في واشنطن العاصمة، وهي جامعة للسود تخرجت فيها بدرجة في الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1986. وقد أرسلت بطاقة تصويتها إلى ولاية كاليفورنيا عبر البريد قبل عدة أيام.
الشوط الأخير
وعشية يوم الاقتراع قامت هاريس بجولات في سكرانتون وإلينتاون وريدينغ، وفيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، وهي الولاية التي تعد أصواتها الانتخابية الـ19 أكبر جائزة بين الولايات السبع المتأرجحة التي ستحدد نتيجة السباق. وقالت هاريس لمؤيديها إن الانتخابات ستنتهي بالتفاؤل والطاقة والفرح وطي صفحة الماضي، وأكدت أنها ستكون رئيسة لجميع الأميركيين. وقالت في التجمع الأخير في حملتها
إن أميركا مستعدة لبداية جديدة وطريق جديد للمضي قدماً، وأشارت إلى أن أحد أشكال الوطنية هو النضال من أجل المُثُل العليا ووعد أميركا. وشارك نجوم الغناء ومشاهير هوليوود في حملتها، مساء الاثنين، مثل أوبرا وينفري وكاتي بيري وليدي غاغا وجون بوت جوفي.
وقام المتطوعون في حملة هاريس، خلال الأسابيع الماضية، بطرق مئات الآلاف من أبواب المنازل في كل الولايات المتأرجحة، لتشجيع الناخبين المترددين، على التصويت لصالحها، خصوصاً الناخبين الشباب والملونين.
ودافعت هاريس طوال حملتها الانتخابية عن حقوق الإجهاض، وعن الطبقة المتوسطة وحقوق العمال، وحذرت من مخاطر مجيء ترمب مرة أخرى إلى السلطة، واستقطبت حملتها الكثير من أصوات النساء في جميع الولايات، ونسبة من أصوات السود والأقليات.
في حين أنهى ترمب حملته الانتخابية في أربعة تجمعات انتخابية في ثلاث ولايات، بدأها في مدينة رالي في كارولاينا الشمالية ثم تجمعين في ولاية بنسلفانيا وفي مدينة غراند رابيدز بولاية ميشيغان.
وخلال تلك التجمعات، كرر ترمب رسالته حول دفع الاقتصاد وتحقيق انتعاشة اقتصادية للولايات المتحدة وعصر ذهبي جديد، وإصلاح ما أفسدته إدارة جو بايدن - هاريس، وحماية الأميركيين من المهاجرين غير الشرعيين وضبط الهجرة. وأكد للآلاف من أنصاره أنه مقتنع بفوزه في الانتخابات، مشيراً إلى أن أي نتيجة أخرى تعني أن التصويت جرى تزويره. وقال للحشد الذي انفجر بالهتاف: «يقولون إن الله انقدني من أجل إنقاذ أميركا» في إشارة إلى محاولتين لاغتياله، وأضاف: «بمساعدتكم سنحقق هذه المهمة غير العادية وسننقد بلدنا». وشدد في أكثر من لقاء انتخابي على أن يوم الخامس من نوفمبر سيكون يوم التحرير في أميركا.
واستعانت حملة ترمب بمجموعات خارجية للتواصل مع الناخبين، بما في ذلك مجموعة يديرها الملياردير إيلون ماسك، التي ركزت على التواصل مع الناخبين المؤيدين لترمب بدلاً من الناخبين المترددين.
وستكون أي نتيجة تخرج بها هذا الانتخابات تاريخية؛ فإذا فاز ترمب سيصبح أول رئيس أميركي وُجِّهت إليه اتهامات في عدد من القضايا وأُدين بـ34 تهمة جنائية، وسيصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يفوز مرتين بفترتين غير متتاليتين في البيت الأبيض بعد الرئيس غروفر كليفلاند، في أواخر القرن التاسع عشر.
أما إذا فازت هاريس فستصبح أول امرأة، وأول امرأة سوداء، وأول شخص من أصل جنوب آسيوي، يصل إلى المكتب البيضاوي بعد أن حققت بالفعل سابقة تاريخية لتكون أول سيدة تحظى بمنصب نائب الرئيس.
كما ستكون انتخابات 2024 الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، مع إنفاق بلغ 15.9 مليار دولار في جميع السباقات الفيدرالية، وهو ما يفوق إنفاق انتخابات عام 2020 البالغ 15.1 مليار دولار.
وتأتي هذه الانتخابات الساخنة وسط مخاوف من اندلاع أعمال عنف، مما دفع أكثر من 19 ولاية إلى استدعاء الحرس الوطني الأميركي للحفاظ على الأمن، ومنع اندلاع أعمال شغب وإتلاف للممتلكات. وفي واشنطن العاصمة اتخذت السلطات الأميركية إجراءات احترازية مشددة لوضع الحواجز الحديدية حول البيت الأبيض ومباني الكونغرس، وإغلاق الشركات والمباني الإدارية تحسباً لحدوث اضطرابات، إضافةً إلى وضع الألواح الخشبية على واجهات المحال التجارية.
واتَّبع بعض الولايات، مثل نيفادا وألاباما وأريزونا وديلاوير وأيوا وإلينوي وكارولاينا الشمالية ونيو مكسيكيو وويسكونسن وفلوريدا وهاواي وبنسلفانيا وتكساس وفيرجينيا، إجراءات لوضع القوات على أهبة الاستعداد القصوى، واتخاذ تدابير أمنية وخططاً للتعامل مع أعمال العنف، ووضع سيارات الشرطة وكثير من أفراد الأمن والطائرات من دون طيار عند مراكز الاقتراع في مختلف الولايات، تحسباً لتهديدات محتمَلة لمسؤولي الانتخابات في مراكز الاقتراع، أو أي أعمال إجرامية.
وفي أريزونا أوقفت السلطات استخدام المدارس والكنائس مراكز للاقتراع (التي كانت تستخدم في السابق لهذا الغرض) خوفاً من احتجاجات وأنشطة عنيفة.
كما حذرت وكالات الاستخبارات الأميركية من محاولات التدخل الأجنبي لتقويض الثقة في مسار الانتخابات، ونشر مقاطع فيديو كاذبة والترويج لادعاءات بالاحتيال في عمليات التصويت في الولايات المتأرجحة، لتأجيج الانقسام وزرع المخاوف والشكوك في مصداقية العملية الانتخابية.
وأصدر مكتب الاستخبارات الوطنية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، بياناً مشتركاً تحذر فيه من تدخلات روسية وبدرجة أقل تدخلات إيرانية، لنشر معلومات مضللة ومقالات مزيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض شرعية الانتخابات وبث الخوف في الناخبين وتأجيج أعمال العنف بين مؤيدي هاريس ومؤيدي ترمب. وحذرت وكالات الاستخبارات من مقاطع فيديو تزعم وقوع حالات تزوير للانتخابات ووقوع هجمات إلكترونية على آلات فرز بطاقات الاقتراع، ومن أخبار تدَّعي تدمير بطاقات الاقتراع في ولاية بنسلفانيا، ومقاطع فيديو تدَّعي أن الديمقراطيين يزوِّرون بطاقات الناخبين في ولاية أريزونا لصالح كامالا هاريس.
وشددت وكالات الاستخبارات على أن روسيا هي التهديد الأكثر نشاطاً في محاولات تقويض ثقة الأميركيين في الانتخابات، موضحةً أن روسيا تفضِّل ترمب على هاريس مع وعود ترمب بتقليل الدعم العسكري لأوكرانيا والمضيّ في محادثات سلام، فيما تسعى إيران إلى الانتقام من ترمب لإعطائه الأوامر في يناير 2020 بقتل الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني. وقد أحبطت السلطات الأميركية في سبتمبر الماضي وحدة تجسس تابعة لـ(الحرس الثوري) كانت تستهدف السياسيين والصحفيين واختراق حملة ترمب وسرقة بعض الوثائق والمستندات. وأبدى كبار المسؤولين الأميركيين القلق من استمرار حملات التضليل الأجنبية حتى بعد التصديق على الانتخابات في يناير المقبل.
ويراقب العالم بقلق نتائج هذه الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستؤثر بشكل كبير في الصراعات في الشرق الأوسط وفي حرب روسيا ضد أوكرانيا، ويتخوف المحللون من انهيار الديمقراطية الأميركية إذا خسر ترمب الانتخابات ورفض قبول الهزيمة كما فعل قبل أربع سنوات عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021. وقد نجا ترمب من محاولة اغتيال في يوليو الماضي ونجا من مؤامرة ثانية لاغتياله فيما كان يمارس رياضة الغولف، مما رفع من مستويات الخوف من أعمال عنف.
لا يتعلق الأمر فقط بالسيطرة على البيت الأبيض. فالكونغرس أيضاً قابل للانتقاد. ومن المرجح أن يستعيد الجمهوريون مجلس الشيوخ، وذلك بفضل السباقات الرئيسية التي تجري على أرض مواتية لهم. أما مجلس النواب فمن الصعب التنبؤ به. فقد يحصل الجمهوريون على بضعة مقاعد، أو قد يقلب الديمقراطيون المجلس بأغلبية ضئيلة بنفس القدر.