وتمر السنون من عمرنا، وكنا صغارا نلعب ونمرح، (درهانة زيطي ميطي، على حسين طز البيسه..و7 صاد..و..و..).
وقبل ان تظهر طريق العريش..الساحلية كنا نشق المطار عبر بوابة معسكر بدر الحالية، لا اتذكر الاسم بالانجليزية، في الذهاب الى الشيخ عثمان، إما راكبين بابور الايرسي او جاري جمل،
متعبرين بالطبع، كنا نتوقف لو في طائرة نازلة الى المطار مطار خور مكسر-المجراد- وهو المطار الحالي مع تجديده وتحديثه فيما بعد، بالطبع..
كان العسكري المناوب يغلق علينا الطريق بخشبة حديد، وبعد مرور الطائرة يفتح لنا الطريق!!
نعم كنا صغارا وكبرنا، وظهرت طريق العريش لا اتذكر التاريخ، بل اتذكر سباق الهجن الذي كان يمتد من "مسبح السوجر "في حي السعادة الى فتحة طريق ابين الآن، تقريبا.
وقد تحسنت الامور في المدينة وتطور فيها كل شيء تباعا حتى صرنا نحن موظفي حكومة، لنا ما لنا وعلينا ما علينا!
في عدن نتذكر الحوافي الأثيرة والشوارع النظيفة والتي كان حقها "الفوتبات" من الحجر البازلت وليس بالصبة الخرسانة اليوم.
تجولنا في كريتر، وكانت المدينة الام لكل المدن ولنا نحن الصغار، كانت لقاءاتنا عند مقهاية او مقهى "زكو" الشهير، وكنا ننبهر بالنظافة والالوان الزاهية للنيونات الجاذبة، ولوجود اعداد من الانجليز مع عائلاتهم متسوقين او مرتادين دور السينما..كنا نعتبر اننا في بلد اوروبي وعشنا الخيال واُصبنا عند كبرنا بالخَبال..
نعم، لاننا بدأنا نقارن، فكانت عدن تضاهي مدناً اوروبية بل تتفوق على بعضها..
ايوه..كبرنا وتخرجنا من الثانوية فالجامعة، وكانت الدولة تعنى بالكوادر وتؤهلهم قبل او بعد الوظيفة، كما كان الطالب عند تخرجه من الجامعة تكون وظيفته تنتظره بكل اريحية، فكل شيء مخطط له بإتقان..
ومرت السنون، قبل هذا.. وكنا نعيش احداث الكفاح المسلح، في طفولتنا ونقلد في حوافينا الثوار، القومية والتحرير، جبهتا الكفاح الأشهر، وباناشيد واغاني العطروش واحمد قاسم، ومحمد سعد والزيدي، كنا نتبادل الادوار حتى تنتهي اللعبة..
وكنا و اكبرنا سنا لايتعدى الـ 7 سنين
، لكن التصاقنا وأهلنا بالاحداث اليومية جعل منا ونحن من مختلف مناطق اليمن جنوبا وشرقا وشمالا ومن دول جوار، اخوة نشعر بما يجري ونعيشه،
وقد عشنا وكبرنا وتعلمنا وادينا واجب الخدمة العسكرية الوطنية بعد الاستقلال واعلان الجمهورية الوليدة..
وهانحن بعد هذا العمر الذي قضينا اربعين سنة منه في التربية والتعليم والصحافة، وصلنا الى ال70 منه ونيّف، نعيش ذكريات مدينة ومدنية واخوة وجيران وزملاء ورفقةعمل تربوي، صحافي واجتماعي، وكلما تذكرنا، كان الاسى طاغيا، لان ماكان، ربما قد أصبح في خبر كان، لكن تبقى الاخلاق والقيم النبيلة المتأصلة في العقول والقلوب والحياة المدنية التي غلبت على الجميع طبعا وتطبعا.
اسرد اليوم بعضا من تلك السيَر التي لن تنمحي، بلا ترتيب او تنسيق مسبق،
واقارنها اليوم بما نحن فيه..وصحيح ان مرور الزمن وكبر سني العمر وتعاقبها له دور في مجريات سنن الحياة، لكن المؤلم ان تمر في حافة، على سبيل المثال في المعلا، فتطوف وتشوف في حافة الصومال، او حافة شعبان او شارعي السواعي، والصعيدي وهي اماكن اكحّل بها عيوني شبه يومي، لان سكني في المعلا، ولو رجعت الى الوراء لحي السعادةاو حافة لودر بالشيخ عثمان، او دار جدنا المجاهد عبدالله علي الحكيمي الشهير، مقابل معهد الحصيني اليوم او مسجد النور الذي تعلمنا فيه القران الكريم والخط والحساب ودروسا اخرى، لتهت وتعثرت افكاري المتضاربة ولتطلب مني وقتا طويلا للكتابة، وهو مايصعب علي في هذه السن، والحمد لله على الصحة والعافية..
اعود للمعلا التي منها كنت هاوي صحافة وانا في الصف الثاني الثانوي ادبي، فقد تحققت امنيتي بعد اكمال الثانوية والتحاقي بالعمل في وزارة التربية والتعليم، وذلك بوجود رجال هم من ساندوا واسندوا، ولعلي اذكر نماذج لفرسان الصحافة العدنية واليمنية، للإشارة ووفاء وردا للجميل،لاساتذة قد توفاهم الله او لا يزال بعضهم بيننا ومنهم، الاستاذ محمد قاسم نعمان اطال الله بعمره، وهو"اس" اساس ما انا فيه للامانة، والاستاذ الكاتب والقاص محمد عمر بحاح حفظه الله.. ومنهم ايضا اساطين الكلمة والحرف، الاساتذة: احمد سالم الحنكي الشهيد الحي والاب الروحي، وفاروق مصطفى رفعت الشهيد والرفيق والمعلم، رحمة الله عليهم..وعلى الصف الطويل في هذا المنبر العظيم، وما اكثرهم!
وكنت نشرت عن كوكبة ممن تذكرتهم وعنهم في صحيفة 14 اكتوبر مدرستي الاولى قبل ايام قليلة، لمناسبة العيد ال61
لثورة14 اكتوبر الخالدة، خاصة ممن قد توفوا فلهم الرحمة والمغفرة..
واكمالا للسرد، المعذرة ان أطلت، لاقول بعد هذا العمر الذي عشنا فيه، مؤلم ان نجد الناس، سواء الزملاء او الرفاق او الاساتذة الاجلاء من الادباء والكتاب والشعراء وشخصيات كانت يوما لها اهمية وبصمات فعل في هذه المدينة الهادئة، لنجد في وجوه الكثيرين حالات التعاسة والبؤس والعوز وضيق ذات اليد، ولم يتبق فيهم الا الابتسامة والوجه الشاحب الجميل والذي هو رمز مدنية وإخاء ومحبة، مهما كانت الظروف ومهما تنكرت الدولة والحكومة لهؤلاء النجوم الذين بهم سمت وعلت وارتفعت عدن وكل المدن الاخرى الى قمة المجد، لكن عوامل السياسة وواقع الحرب المدمرة، والناتجة اصلا عن وحدة مستعجلة مرتجلة وغير متكافئة ندفع ثمنها الى اليوم نحن البسطاء وعامة الناس، ماعدا الذين هم في القمة ولم يحسنوا القياد من اولها، وهم الذين اوصلوا عدن والجنوب، الى هذا المصير القاتل، اجارنا الله من بقايا نتائجه الفجة انه سميع مجيب!
اقارن وقد غزا الشيب رأسي وظهرت اخاديد واحافير الوجه وعوامل التصحر إن جاز التعبير ..
ربنا يلطف بنا وببلدنا ومدينتنا التي كانت وستظل اُمنا الحانية الى ان نلقى الأحبة من سبقونا الى الاستشهاد او الوفاة
والفارق بين الاثنين درجاته عند الله جل وعلا..
وسلاما لكل من اتعبهم ضنك العيش وضمور الجسد وتأوهاته، ولا يزالون صامدين، كصمود جبل شمسان الابي، فهم الارث والتاريخ والمأثرة..
ولتسلم مدينتنا عدن ارضا وانسانا..