آخر ما تفتقت عليه مخيلات عتاولة اللجان المجتمعية من فرمانات مدهشة هي القيام بحملات امنية، اكرر (أمنية) ، لكبح جماح التسول والمتسولين باعتبارهم - اي المتسولين - يشوهون سمعة البلد ويظهرونها بانها قد اضحت عبارة عن شوارع حضرية وخلفية ملاذ مخز للمتسولين ممن يتعمدون التسول لإعطاء انطباع غير لائق عن الوضعية المعيشية والحضارية لعدن وما جاورها وبالتالي يعتبرون، اي المتسولين، خطورة متعددة المناحي وبالذات الامن القومي العام.
تصوروا اي قرار ابليسي مقيت جادت به مثل هذه العقليات الموبوءة .. فعلا نقول لمثل هؤلاء فلتعلموا ياساداتنا الكرام ان كل المنظمات الدولية الانسانية وكل سكان المعمورة يدركون جيدا أن كل سكان هذه الارض الجنوبية وفي مقدمتهم سكان العاصمة عدن وما جاورها هم من افقر سكان المعمورة، وان حالات الفقر المدقع شملت اكثر من 95 % من سكان العاصمة عدن باستثناء شلة اللجان المجتمعية المشكلين النسبة الباقية 5 % .
القرار شكل صدمة مؤلمة لكيانات وقلوب جموع فقراء عدن كونه جاء او نبع شيطانيا من عقول أبناء جلدتنا المعتبرين بأنهم من رجال الصفوة اجتماعيا وانهم نابعون من بين أوساط المجتمع العدني المكلوم والمسلط على رقابه أناس لا يخافون الله ولا رسوله، فمن الاجدر بهؤلاء المتأبلسين أن يتساءلوا ويشخصوا بواعث واسباب ظاهرة التسول التي عمت مدينة حضارية اشتهر اهلها بالعفة والصوان والعيش المستور المجلوب من عرق الجبين بالجد والجهد .. عدن نبع الحضارة.
اتذكر قبل سنوات مضت من فترات حكم عفاش وبالتحديد عام 2000م علمت بقيام شرطة المعلا بشن حملة امنية على المتسولين الشيوبة والعجائز والنص نص من الجنسين، حينها كان رجل الامن المغوار الشاب المثقف الخلوق (عبدالحكيم شائف) وهو من ذوي الكفاءات الامنية والعقول الرضية كان قائدا لشرطة المعلا، وما ان علمت بالامر سارعت لرفع سماعة التلفون واتصل به وسألته عن الأمر فاجابني باسلوبه المهذب والله هذه أوامر استلمتها من الاستاذ / طه غانم محافظ محافظة عدن. فأجبته على الفور ابلغ الاستاذ طه غانم على لساني طالما السلطة غير قادرة على توفير اعمال ومصادر لقمة عيش ثابتة ماذا تتوقع من اي ارملة عفيفة عندما تجد طلفها يقول لها باكيا أماه أنا جائع؟ وماذا نتوقع من اي اب عفيف يسمع مثل هكذا قول مؤلم .. أجابني ماذا تقصد؟ رددت عليه في هذه الحالة هذه الأم العفيفة والتي سددنا في وجهها كل سبل العيش لم ولن تتردد على عرض ( .....) في سوق ( ... ) العلني جبرا لاطعام طفلها أو أطفالها أما الاب فنكون قد أجبرناه على سلك طريق السرقة والنهب أو المتاجرة بالاشياء اللااخلاقية .
الشاب الرائع عبدالحكيم فور سماعه قولي وبحماسة غير متوقعة استاذنني لإقفال سماعة التلفون على ان يتصل بي بعد ربع ساعة لكن لم يتصل بي وعلمت انه اصدر فورا تعليماته بإطلاق سراح كل المحتجزين من المتسولين وعدم التعرض لهم، فيما اتصل بالمحافظ طه غانم وابلغه اسباب القرار، وبعد ساعة علم محمد صالح طريق بفحوى القرار وبدوره اصدر تعليماته لكافة مدراء الشرط في المديريات بعدم التعرض لأي متسول لا عمل ولا دخل مادي ثابت له.
سمعتوا يا ابناء جلدتنا فهل تتقون الله بعباده؟ اللهم اني بلغت .. اللهم فاشهد.