تناول المؤرخ الأميركي تيفي تروي في مقاله بصحيفة بوليتيكو تأثير المشاهير ورجال الأعمال على مجرى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وعقد مقارنة مثيرة للاهتمام بين الدور الذي لعبه مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، في وصول دوايت أيزنهاور إلى البيت الأبيض خلال الفترة 1953-1961، وبين انهماك الملياردير الأميركي إيلون ماسك مؤخرا في المجال السياسي دعما لمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب.
وقال تروي -وهو باحث بارز في مركز السياسة الحزبية ومؤرخ رئاسي عمل في السابق مساعدا في البيت الأبيض- إن المقابلة التي أجراها ماسك مع ترامب في وقت سابق من هذا الشهر، عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أثارت ضجة كبيرة وكانت أحدث حلقة في مسلسل افتتان قطب التكنولوجيا الدائم بالرئيس السابق.
وأضاف أن ماسك، “الذي استمرأ الجدل”، لم يتردد في دعم ترامب في انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وكان له دور مؤثر في عودة ترامب إلى منصة إكس للتواصل الاجتماعي.
وفي كل دورة انتخابية، يحاول المشاهير التأثير بشكل غير عادل على نتائجها لصالح المرشح الذي يؤيدونه. وبينما أظهرت دراسة حديثة أن مشاهير مثل مغنية الراب الأميركية ميغان ذي ستاليون والموسيقي والمغني الأميركي كيد روك، يمكنهم إثارة حماس الناخبين، فإن رؤساء الشركات التنفيذيين “فاحشي الثراء والأقوياء” -من أمثال إيلون ماسك- هم من لهم القدرة على ممارسة نفوذ هائل في الحملات السياسية.
ولماسك وغيره من الرؤساء التنفيذيين -شأنهم في ذلك شأن جميع المواطنين الأميركيين، وفق المقال- الحق في المشاركة بالحقل السياسي في بلاده، من تمويل لجان العمل السياسي الحزبي إلى الانخراط في حشد الأصوات لمرشحيهم واستقطاب ناخبين لهم على منصاتهم. لكن هذا الانخراط لن يكون بغير ثمن.
ويستلهم المؤرخ تروي العبر من الماضي القريب، فكتب يقول إن التاريخ يخبرنا أن مؤسس مجلتي تايم ولايف الأميركيتين، هنري لوس، وضع كل موارده وإمكانياته في الترويج لحملة مرشح الحزب الجمهوري دوايت أيزنهاور الرئاسية في عام 1952، وهو أمر لم يكن مألوفا من مؤسسة إعلامية.
وقد جلب هذا الدعم لمؤسس ورئيس تحرير مجلة تايم آنذاك “فوائد قصيرة الأجل”، وأتاح له إمكانية التواصل مع أيزنهاور بعد اعتلائه سدة الحكم في البلاد. ولأن العبرة بالخواتيم، فقد أضرت مؤازرته المفعمة بالحماس لأيزنهاور بسمعة تايم الصحفية، بحسب مقال بوليتيكو.
لقد أراد هنري لوس، من خلال اهتمامه بالرئاسة، إقامة علاقات جيدة مع الرئيس، وهو ما استعصى عليه طوال حقبة الرئيس فرانكلين روزفلت، فقد كان الرجلان “يبغض كل منهما الآخر بغضا شديدا”.
ولطالما سعى لوس إلى هزيمته بدعمه مرشحين لم يحالفهم التوفيق، مثل ألف لاندون الذي ترشح ضد روزفلت في عام 1936. غير أن علاقته مع هاري ترومان، الذي خلف روزفلت في الرئاسة، لم تكن أفضل حالا.
ويتوقع الناس في الوقت الراهن من الصحفيين توخي الحياد في تغطيتهم الإعلامية، وهو ما لا يتحقق دائما كما يعتقد كاتب المقال.
وقد كان ذلك هو الحال في عام 1952، قبل أن يوجه لوس مجلتيه تايم ولايف للكتابة بشكل إيجابي عن الجنرال أيزنهاور.
وصدرت افتتاحية مجلة لايف في ذلك الوقت تحت عنوان “الدافع لتأييد أيزنهاور”، والتي قال عنها الرئيس آنذاك إنها شجعته على دخول السباق الرئاسي.
وأوضح تروي أن لوس ساهم في صياغة الرؤية الخاصة بالحملة الانتخابية، مما ساعده في التقرب أكثر إلى الرئيس أيزنهاور. وأصبح مقال جون فوستر دالاس في مجلة لايف الذي حمل عنوان “سياسة الجرأة”، الأساس الذي استند إليه أيزنهاور في سياسته الخارجية لبرنامج الحزب الجمهوري. وأصبح دالاس بعدها وزيرا للخارجية في إدارة أيزنهاور.
ورغم استفادة لوس من وجود أيزنهاور في البيت الأبيض، فإنه تكبد أيضا خسائر فادحة، فقد تذمر العاملون في مجلة تايم من القيام بدور “الناطق بلسان حال أيزنهاور”.
وفي الوقت نفسه، تعرضت سمعة المجلة للتشويه بسبب تأييدها الشديد لأيزنهاور، وانقلب المثقفون عليها، وبدأ الناس ينظرون إليها “باستخفاف”، باعتبارها مجلة متوسطة المستوى.
ويعود المؤرخ الأميركي للحديث عن إيلون ماسك، فيقول إنه من الواضح يحب التصرف بشكل مختلف عن هنري لوس، وهذا ما أشار إليه هو نفسه خلال ظهوره في برنامج المنوعات “ساترداي نايت لايف” الذي بُث مباشرة في آخر الليل على قناة (إن بي سي) الأميركية في عام 2021.
وحينها قال: “لكل من أسأت إليه، أريد فقط أن أقول إنني من أعاد اختراع السيارات الكهربائية، وأنا من أرسل أشخاصا إلى (كوكب) المريخ في مركبة فضائية. هل كنت تعتقد أنني سأكون أيضا رجلا هادئا وطبيعيا؟”.
وفي تعليقه على هذا التصريح، يرى تروي أن المرء يمكن أن يجادل بأن ماسك نجح في تبني هذا النهج حتى الآن، مما جعله أحد أغنى الناس في تاريخ البشرية.
لكن المؤرخ يحذر الملياردير الأميركي بأن عليه أن يحتاط، فقد عانى قبله هنري لوس وإمبراطوريته الإعلامية من عواقب حقيقية جراء انخراطه في السياسة، وربما تكون ردود الفعل “السلبية” اليوم أشد وأوخم.
ولفت تروي إلى أن منصة إكس تلقت ضربة عندما اشتراها ماسك في عام 2022، إذ انخفضت الإعلانات والمشاركات بشكل كبير منذ توليه زمام الأمور. ولكن لا يزال لدى إكس 50 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، و300 مليون آخرون في جميع أنحاء العالم.
وحذر من أن تأييد ماسك لترامب قد يبعد المستخدمين الذين لا يعجبهم وقوفه مع الرئيس السابق، عن منصته التي يريد توسيع نطاقها، إلا أن هذه المهمة تبدو “أصعب” لكونه شخصا “غير مرغوب فيه” لدى قطاعات واسعة في البلاد.
وهناك احتمال بأن تعاني منتجات ماسك الأخرى، بما في ذلك سيارات تسلا وشركة تقنيات استكشاف الفضاء (سبيس إكس)، جراء دعمه ترامب.