يتميز الكائن البشري دون سواه بميلهِ الشديد لحبِ التغيير والتجديد في مختلف مراحل حياته ، وتزدادُ هذه الميزة بروزاً في المراحلِ الأولى من الشباب وحتى استقراره في بناء أُسرة ، والتي تقوم بدورها لمواصلة مشوار التغيير من خلال الأطفال ونموّهم وكل ما يرافق ذلك من متغيرات ..
وبعدها يبدأ الملل يتسرب رويداً رويداً إلى نفسية الغالبية العظمى ممن بدؤوا في تجاوز تلك المرحلة الحياتية ، فمنهم من يبدأ بثورة جديدة تنطلق من أعماقه رافضاً التقوقع في بوتقة الحياة التي رسمها وأوصلته إلى هذا الحال ، نحو اقناع الذات بأنه لايزال كائناً يعيش بكامل طاقته وهو القادر أيضاً على العمل بشكل أقوى خاصة وأنه أكتسب – طوال فترة حياته الروتينية الماضية – طاقة متجددة للعطاء لإثبات وجوده ..
وهناك القلائل من الناس مَن فَرَشَ أمامه رداء الاستسلام لواقع الحال بأنه قد وصل إلى مرحلة الاستقرار وكفى ، وعليه الخضوع لقوانين الروتين التي تسطرها له أيامه القادمات حتى يغادر هذه البسيطة لعالمٍ أرحب ولا يجد متعة في التطلـّع لأي ارهاصات يبحث فيها عن بعض من الأيام القادمة للأفضل ، فهو قد أخذ كل ما يريد وخطط لأن تكون وتيرة أيامه على نغمة واحدة هادئة حتى لحظات الوداع الأخيرة خشية المغامرة أو الوقوع في المحظور .. ولندعه في فلسفته هذه إذا كنا هنا نتناول النوع الأول من البشر المتعطش للحياة حتى آخر قطرة ..
وهذا الصنف من الكائنات البشرية قد رمى باليأس جانباً وأخذ ينهل من أيامه الحالية كل طاقة تمكّـنه من مضاعفة الجهد للحصول على نتائج كبيرة متميزة لم يكن ليحلم بها أو يستطيع تنفيذها في فترة البيات الشتوي التي مرَّ بها معتبراً بأنها لم تكن سوى استراحة المقاتل قبل معاودة الكرَّة من جديد لهجوم المباغتة من أجل النصر ولا شيء غيره، متجاهلاً كل ما يصادفه من عقبات أو صعاب لا تغدو شيئاً إزاء الانتصارات التي ينشدها .
وكون الحياة عبارة عن حركة مستمرة ودؤوبة مع حركة الأرض ذاتها فأننا نكتسب هذه الطاقة المتجددة من حركتنا المتوازية مع الحياة، ومن الطبيعي أن لا يتقاطع خط سيرنا مع أي مماس لاختراق دائرة الانتهاء حتى لا تتناثر ذاتنا لأشلاء وبالتالي التحول إلى لا شيء أو ما يسمى بانحلال المادة .
وينطبق ذلك أيضاً على الحياة الاجتماعية والسياسية التي نعايشها اليوم ، فلطالما قد تفجرت طاقات التغيير فينا بعد ان أعيانا البحث عن مكامن الضعف ومسببات هذا الواقع الذي لم نعد نحتمله أو نستطيع التغاضي عنه أو معايشته البتـَّـة ، وغدونا مهرولين نهدم الصرح الذي بناه لنا الآخرون على أمل شق طريق نحو الأفق بكل رحابته وضياء نهاره ، وجب علينا أن لا تهزمنا مشقة هذه التجربة .. وان نواصل ما ابتدأناه طوعاً ورغبة في الأفضل ، ومهما كانت المحبطات التي ينثرها البائسون أمامنا ..
عجلة الحياة لا تتوقف .. ولن ترحم طاحونة الأيام من يحاول ايقافها ، وعلى هذا الأساس أما أن نكون أو نرتمي للنهاية التي لا باب لها سوى الـعـَدَم !!
والتغيير بدأ فعلاً شئنا أم أبينا .. وكأنه البركان يحرق كل ما يصادفه ، وهم الحمقى وحدهم من يحاول إيقاف تلك الحمم أو إطفاء جذوتها ، والتباكي على الماضي النرجسي - الذي كانت تتغنى به مجاميع المتنفذين في زمن أسيادهم - لن يجدي نفعاً ، وما هي إلاَّ محاولة لدغدغة مشاعر المعدمين للالتفاف معهم في محاولة للملمة الذات لبناء عالمهم المثالي الذي كانوا – هم لوحدهم – يعيشون فيه من رغد الحياة على حساب كثبان الرمال البشرية التي تتعطش لغيث السماء بعد أن أعياها انتظار قطيرات ينثرها ساستهم الأوائل الذين شكّلوا تلك المجتمعات القبلية لحمايتهم وفقاً لما يرونه مناسباً لاستمرار بقائهم – دون سواهم – إلى أبد الدهر ، متيقنين أو هكذا كان يتراءى لهم أن الطبيعة قد اصطفتهم على باقي أنواع البشرية للبقاء في القمم والخلود على كل الأمم !!
الحمقى وحدهم يحاولون إيقاف عجلة التغيير
أخبار متعلقة