اذا كانت عدن هي (عين اليمن) كما وصفها الأقدمون.. فإن عدن التاريخية (مديرية صيرة) هي بؤبؤ عين اليمن.. نني عينها.. أو لنقل حبة العين!.
ولكن ماذا يبقى من (عين اليمن) عندما يتحول نني عينها الى صندوق قمامة.. وميناؤها العالمي.. مرفأ للذباب؟!.
ماذا جرى لعدن.. أين ساحل أبو الوادي.. أين جبل معاشيق.. أين شاطئ بحر حقات.. أين شاطئ بحر صيرة.. أين الرمل الأبيض الذي كانت تمرح على سطحه الأقدام العارية الصغيرة؟!.
ماذا جرى لعدن.. ماذا جرى لأهل عدن.. هؤلاء ليسوا أهلها.. أين ذهب أهل عدن؟!.
ماذا جرى لعدن.. ماذا جرى لشوارعها.. شوارع عدن لم تكن هكذا.. تلال عدن عدن تنافسها اليوم تلال القمامة.. وفي الشوارع الخلفية طفح مجاري ورمامة.. وحفر.. ويا الله السلامة!.
الشارع في أي مدينة هو نهره ورصيفاه على جانبيه.. الرصيفان للمارة.. والنهر للسيارات والمركبات الأخرى.. لم يعد هناك سوى موضع لقدم واحدة للمارين على الرصيف.. أما القدم الثانية فعلى المار أن يهبط بها الى نهر الشارع.. ليتحول المار في الشارع إلى بهلوان..أو لاعب أكروبات!.
الرصيف لم يعد للمارة.. بل متاكئ لبيع القات عند أبواب البيوت والمحلات.. ومعارض لبيع التمبل والسوكة والشحن الفوري للهاتف المحمول.. أما نهر الشارع فقد عج بالعربات والسيارات التي تحول بعضها الى محلات لبيع العباءات وآخر صيحات الموضة والأزياء والمناديل والشرابات والسراويل والملابس الداخلية!.
حكى لي صديق عن مشهد رآه في نيويورك عندما كان في دورة تدريبية هناك.. ثلاثة جنود يقفون متماسكين وجها لوجه وظهورهم للمارة وهم على الرصيف.. توقف صديقي يسأل مرافقه الامريكي عما يفعلون.. اجابه المرافق بصوت خفيض: انظر عند اقدامهم.. فرأى حفرة صغيرة في حجم طبق الأكل وقد تجمع فيها قليل من الماء ومحاطة باقدامهم.. وتابع المرافق حديثه: إنهم يخشون أن تطأ قدم أحد المارة هذه الحفرة فيتناثر رذاذ الماء على ملابس المارة.. انهم في انتظار دورية البلدية وستصلهم الآن!.
حكاية أخرى حكاها قبل أكثر من مئة عام زميل لا اذكر اسمه من زملاء الإمام محمد عبده ورفاعة الطهطاوي.. يقول إنه استضاف ذات مرة احد اصدقائه الفرنسيين لزيارة مصر.. وبعد جولة معه في شوارع مصر قال لصديقه الفرنسي: تعتقد متى يمكننا في مصر ان نتقدم لنصبح مثلكم.. كانت الإجابة سريعة وبسيطة وصادمة في نفس الوقت: عندما لا تبصقون على الارض في الشارع!.
اما آخر حكاية فهي تلك التي قرأتها على شريط الاخبار في قناة (B.B.C) البريطانية قبل بضعة أيام.. يقول الخبر (السلطات المحلية تفرض غرامة قدرها 256 دولارا على رجلين بصقا على الأرض في لندن)!.
والآن.. هل يمكننا أن نعرف السبب الذي جعل مسألة النظافة في عدن بحاجة الى تدخل الأمم المتحدة لحلها.. انها يا سادة الكثافة السكانية الوافدة من خارج عدن.. وأكثرها من العاطلين عن العمل (ما ذنب عدن تتحمل تبعة العاطلين عن العمل في كل أرجاء اليمن).. بكل تخلفها ومخلفاتها الضارة بالصحة العامة وصحة البيئة!.
بالأمس كان زحف مغول الجنوب على عدن في عام 1967م.. وتبعه زحف تتر الشمال في عام 1994م.. ورأينا كيف تحولت جنة عدن الى سقر.. وبئس المستقر.. ورأينا كيف عجزت كل جهود صندوق النظافة ومكتب المحافظ ومأمور مديرية صيرة والبلدية أن تحقق النظافة في كيلومتر مربع واحد.. هو كل مساحة مديرية صيرة (نني عين عدن).. ألم أقل لكم إن النظافة حضارة وذوق وثقافة!.
النظافة حضارة وذوق وثقافة
أخبار متعلقة