تحول «النموذج التركي» منذ عشر سنوات تقريبا إلى سلعة يروج لها الغرب، دولة مسلمة ديمقراطية سياسيا واقتصاديا وعلى علاقة وطيدة مع إسرائيل، ومستعدة لفتح مطاراتها وأجوائها وأراضيها لحلف الناتو وللقوات الأمريكية المتأهبة لمحاربة المسلمين، وتحول أردوغان إلى سلطان عثماني تحت التشطيب، ينتظر سقوط الطاغية بشار في سوريا، وينتظر أخونة مصر وليبيا وتونس واليمن، لكى يتم إعلان الخلافة، حول الثورة السورية التي قامت ضد الاستبداد إلى حرب سنية علوية وبلاده مكونة طائفيا من سنة وعلويين، وإلى حرب أوسع إقليميا ضد النظامين الإيراني والعراقي الشيعيين، نجح أردوغان في تدمير النموذج التركي بعد أن أفقده جاذبية الدولة الديمقراطية الحديثة التى لا تمارس السياسة على أساس طائفي، هو يدعم في سوريا أسوأ أنواع التطرف «جبهة النصرة»، يدعمهم في مواجهة التنظيمات الكردية المنتشرة على الحدود، وهو ما جعل تركيا محاصرة بالأكراد وليس العكس.
كان الغرب يعتقد - ولا يزال - أن مثل هذا النموذج يمكنه مواكبة العصر واستيعاب مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان «المطاطة» وحقوق الأقليات والخصوصيات الثقافية، معتمدا على تاريخ الدولة العثمانية، جول قال ذات مرة إننا نرفض أن يطلق علينا (حزب إسلامي)، لأن العدالة والتنمية يشبه للأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، عصابة أردوغان جول وضعت نفسها تحت أمر الغرب في حالة العداء بينه وبين الحركات الإسلامية المتشددة، واعتبرت الربيع العربي فرصة لترويض هذه الحركات «التى ساعدها الغرب في الوصول للحكم» تحت راية الخلافة التي أصبحت في ذمة التاريخ، ولم ينجح الإخوان ولا حركة أبو الأعلى المودودى ولا ديوباندي الهندية ولا حزب التحرير الإسلامي في بعثها، المشروع الأردوغاني «الذي أفشلته مصر» حاول إقناع الغرب أيضا بتكوين حاجز جغرافي عقائدي بشرى بين الغرب من جهة وبين الصين وروسيا والهند من جهة أخرى، وأقنعهم أن العرب غير ناضجين سياسيا ولا ديمقراطيا ولا بد من قيادة تركيا لهم لبناء هذا الحاجز، في الماضي القريب كانت تركيا عبئا على هذا الغرب، بسبب المشكلة اليونانية من جهة، وبسبب كثرة الانقلابات العسكرية والحريات ومشكلة الأكراد، وتم الرضا في السنوات الأخيرة بسبب التنازلات التركية، وعلى حساب الحريات والأكراد وعلى حساب الأبرياء العراقيين والسوريين، وعلى حساب المؤسسة العسكرية الوطنية، لكي يتم ترسيم الحدود الاستعمارية الجديدة التي تحفظ أمن إسرائيل وتؤمن مصادر النفط.
، الحماقة الكبرى التى ارتكبها أردوغان هي معاناة الشعب المصري، ودعمه المادي والمعنوي لأشخاص يحاربون الدولة المصرية في سيناء والقاهرة والصعيد، والتحريض على نظام خرج الناس إلى الشارع يطالبون به للتخلص من الكابوس الإخوانى، أردوغان تخيل بعبط أنه مفجر ثورة 25 يناير، وعندما زار مصر بعدها - كما كتبت فايزة أبوالنجا قبل يومين - جاء بمدرعاته وحراسه «الكثار» وتجاوزوا كل آداب الضيف واعتدوا على حراس مجلس الوزراء، كان يتعامل مع مصر على أنها انطوت تحت لواء إمبراطوريته المزعومة، وأتى يقوم فيها بدور السمسار لا الخليفة، أردوغان تجاوز في حق المصريين في أكثر من موضع، أولا استهان بالملايين الذين نزلوا إلى الشوارع وهذا لا يجوز، حرض على الدولة المصرية وجيشها وهذا عيب، تطاول على فضيلة شيخ الأزهر «فهمي هويدي قال متطاولشي!» وهذه صفاقة، وتندرج ضمن الحملة الاستعمارية ضد الأزهر ودوره الوطني التاريخي، ما حدث في مصر أجهز على مشروع أردوغان الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وحول رئيس الوزراء التركي إلى شخص عبيط يقلد البلتاجي وحجازي، شخص يحتاج إلى مهدئات ليستوعب الدرس المصري، والآلام العميقة التى يعانى منها وجعلت «دمعته قريبة» ليست فقط بسبب فشل مشروع الخلافة الكرتوني الذي دفع من جيبه لإنشائه، ولكن لأن التغيير الذي حدث في مصر دعمته السعودية الصديقة السنية ميسورة الحال، وهذا يعني أن تركيا لن ترث النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط بشار، لأن المملكة ومصر.. لن يسمحا بذلك.
السمسار التركي
أخبار متعلقة