استعير عنوان مقالي المختصر هذا من عنوان كتاب الدكتور نصر حامد أبو زيد لأنه يتناسب ويتناغم وينسجم مع موجة تكفير الناس وتبديعهم وتفسيقهم وإخراجهم من الدين والملة واتهامهم بالضلال والمروق من الدين تمهيداً لتأليب الناس عليهم وتشويه سمعتهم وإهدار دمائهم من قبل بعض شيوخ ورجال دين يصدرون فتاوى عجيبة وغريباً في الوقت الراهن مثل فتوى جهاد الفرج وغيرها من الفتاوى الأغرب من الخيال أما تكفير الناس لمجرد اختلافهم في وجهات النظر مع رجال الدين هؤلاء فمردها إلى التشدد في الرأي وإلى التحجر والجمود وإلى اليقين الذهني والحسم الفكري لدى هؤلاء الذين يفتون ويوزعون هذه الفتاوى شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً من هنا يأتي استبدادهم وقمعهم وتسلطهم على آراء وأفكار الآخرين المختلفين عنهم ورجال الدين التكفيريون هؤلاء لا يملكون سوى لغة التحريم وجرح مشاعر الآخرين وتسفيه أفكارهم ورؤاهم.. إن أثمن وأغلى شيء بالنسبة لأي إنسان هي حريته وأبرز مظاهر هذه الحرية يتجسد في حرية الفكر والتعبير فمن صادر عليك هذه الحرية فإنما قد انتهك حريتك بل كيانك كإنسان وقيد حياتك أو كمم فمك وحجر على عقلك وقلبك ومشاعرك ألم نسمع ونقرأ عن المفكر الغربي الذي دافع عن الرأي المختلف عن قناعته حين قال: قد اختلف معك ولكني على استعداد أن أضحي بحياتي أو برأيي من اجل أن تقول رأيك هكذا يكون التسامح الفكري واحترام الرأي الآخر ونجد مفكر غربي آخر يوضح لنا بأن قيمة الإنسان تكمن في تفكيره حين قال: أنا أفكر إذن أنا موجود لقد حدد تفكيره نطاق وجوده وكيانه وقيمته الآدمية والإنسانية ما الذي يجعل بعض رجال الدين يكفرون المخالفين لهم ؟ نعتقد بأن السبب يعود إلى النظرة الشمولية لرجال الدين هؤلاء واعتقادهم بأنهم محيطون بكل شيء وأن الحق والصواب من جيوبهم وماعدا هم هو الخطأ والضلال والزلل والنقص وهذه النظرة من رجال الدين هؤلاء ولا نعمم هنا على كل رجال الدين المعتدلين الذين يستحقون التقدير والاحترام أقول بأن هذه النظرة لا تعترف بالغير لأنها لو اعترفت بالغير لأثبتت نسبيتها وضآلة محدوديتها وأن الخطأ والزلل والنقص يعتريها كما يعتري غيرها وهذا مالا ترضاه أو تعترف به هذه النظرة الاستحواذية والمستبدة والقامعة والمسيطرة والشمولية.
وعدم الاعتراف بالغير معناه عدم الاعتراف بالتغير والتطور والازدهار لأن هذا يناقض منهج التكفيريين الاقصائيين الذين يراوحون من أماكنهم ويدورون من دوائرهم المغلقة التي لاتقدم ولا تؤخر ولا تضيف جديداً إلى أن يأتي من يوقضها من سباتها ويذكرها بأن سنة التطور وصيرورة التاريخ تقتضي التنوع والاختلاف المحمود إن مشكلة التكفيريين تكمن في إهدارهم البعد التاريخي من وجدانهم ومشاعرهم وقناعاتهم الفكرية والعقدية والتاريخ كما هو معروف متحرك وفي تصاعد مستمر وتغير وتطور وهذا يتناقض مع العقلية المتحجرة والمراوحة في مكانها كعقلية رجال الدين من التكفيريين والاقصائيين.
التفكير في زمن التكفير
أخبار متعلقة