استطاعت الحكومة اليمنية المنتخبة - حفظها الله - فرض سطوتها وعلو شأنها وتذكيرنا بدورها العظيم الذي تقوم به من خلال عرض الحلقات الأولى من المسلسل الوطني الحزين (الكهرباء والناس) .. هذه الدراما الواقعية الهزلية التي لا يشاهدها المواطن خلف جهاز التلفاز وهو (آمن في سربه ، معافى في جسده ، وعنده قوت يومه) بل يحياها واقعاً ملموساً بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى .. لأن تلفازه قد انطفأ بعد الانقطاع الإجباري الطويل الذي يحدث بشكل يومي منذ بضعة أيام مضت .. ليحس مدى أهمية هذه الخدمة الجليلة التي توليها الحكومات جل اهتماماتها ، حتى غدا المواطن لا يفكر بها مطلقاً، فهي من أهم ضروريات الحياة اليومية، وأخذت الحكومات على عاتقها توفيرها كأساس مادي لا تنهض المجتمعات بدونه .
أما نحن - وطوال عقود من الدهر - كان همنا الأول والأساس هو السطو على كل ما يمكن وما لا يمكن من مقدرات هذا الوطن المهزوم والمأزوم لحساباتنا الخاصة داخل وخارج حدودنا السياسية والأخلاقية أيضاً !
ورغم أن حكومة الوفاق قد أصابها بعض الخجل من الوضع المزري للطاقة وعلى امتداد هذا البلد ، وترجلـَـتْ من مقاعدها المذهبة المطرزة بنسيج متشابك من موروثات العهد البائد ، لتستقطع من موازناتها المهولة ما يمكن من خلاله توفير بعض المولدات الاسعافية الصغيرة للطاقة لسد بعض الحاجة وذلك بعد الهيجان العارم الذي عم كل المحافظات جرَّاء الفشل الذريع في توفيرها للمواطن..
هذه المولدات الاسعافية الصغيرة - وبطاقتها الإنتاجية المحدودة - لم تفِ بالغرض المنشود لأشهر معدودات مضت ، خاصة بعد تكرار سماعنا بين الحين والآخر عن تدمير أبراج الكهرباء هنا وهناك في المحافظات التي تحكمها القبائل وليست الحكومة ، أضف إلى ذلك العجز الكبير الذي تواجهه المحطات الكبيرة القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب ولم يتم وضع أي خطط لاستبدالها أو إقامة محطات كبيرة عوضاً عنها طوال أكثر من عشرين عاماً كان التسابق خلالها على مكامن “الفيد” في الأراضي وحقول النفط والغاز وكل ما يمكن كشفه وما لم تكشف لنا الأيام عنه بعد .
وهاهو وضع الطاقة لدينا في حال لا يسر عدواً أو صديقاً ، وأصبحت معاناتنا لا يحتملها الحيوان قبل الإنسان .
ولغرابة الحنكة السياسية والإنسانية لدى ساستنا وحكومتنا الرشيدة ، أنها أولتْ اهتمامها الأكبر لـ(الحوار الوطني) ولم تول كهرباء عدن من الاهتمام المطلوب..
وإذا تعقـَّـل المتحاورون قليلاً ومن مختلف الأطياف السياسية والدينية والاجتماعية والقبلية بالذات ، ووضعوا نصب أعينهم أن هذا الحوار جاء - كما يقولون - لخدمة الاستقرار في الوطن وللمواطن بدرجة أولى ، فإن مشكلة الكهرباء التي باتت تؤرق كل طفل وإمرأة وشيخ وشاب ، وتقض مضجع كل المفكرين والساسة وذوي الشأن ، وكل من يحمل في جنباته ذرة ضمير تدفعه لخدمة هذا المواطن المنهك القوى والذي هو أساس كل وطن.
ولا يخالفني الرأي أحد بأن الإنسان هو أعظم كنوز الوطن ، ولولاه لما قامت الحكومات أو فكرت في أمثال هذه الحوارات قبل توفير الاستقرار النفسي والإنساني للسواد الأعظم من المعدمين والمحرومين من خيرات هذا الوطن الهائلة التي تذهب لحسابات القبائل والمتنفذين والقائمين عليها !!
هل ينفع الحوار الوطني بدون الكهرباء ؟
أخبار متعلقة