من آيات القرآن الكريم نقرأ «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»(1).. نعرف بعدها إنه آدم عليه السلام.. كما نقرأ أيضا «وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين»(2).
خلق الله آدم من مجموع مواد وعناصر الأرض ومنها الماء «وجعلنا من الماء كل شيء حي»(3) ثم سواه «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»(4) حتى اصبح كائنا حيا يتنفس ويمارس كل مظاهر الحياة الأخرى.. كسائر مخلوقات الله الحية في الارض.
إلى هنا لم يرق آدم إلى مستوى انسان.. الا بعد ان نفخ الله فيه من روحه.. أي بعد ان ادخل في تكوينه المادي (الجسد والنفس) قبس من نوره.. نور الله.. او لنقل وهبه نفحة ربانية من الوعي والادراك «وهديناه النجدين»(5).. تماما كما ينفخ الله من روحه في جسد الجنين وهو في بطن أمه بعد ما يبلغ شهره الرابع.. فيصبح انسانا.. يحرم إجهاضه شرعا!.
إذن الروح ليست هي الحياة.. كما هو سائد في الافهام.. النفس هي الحياة «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»(6) أما الروح فهي النفحة الربانية التي أضاءت النفس بقبس من نور الله..انه العقل.. الذي ارتقى به آدم من صفة الحيوان ليصبح إنساناً.. ومؤهلا لأن يكون خليفة الله في الارض.. كما أراده الله أن يكون.. وجديرا بان تسجد له الملائكة!.
ولكن.. هل ما نشاهده اليوم من فساد وظلم وسفك دماء.. وعدوان الانسان على أخيه الانسان..هل هذا يؤهله ان يكون خليفة الله.. أستغفر الله..انه لم يحمل الامانة «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا» (7).. نعم.. إن الظالم وكذلك الجاهل الذي لا يستعمل عقله لا يستحق حتى أن يكون انسانا.. بل هو خليفة الشيطان.. ومن اتباع ابليس اللعين «وإن جهنم لموعدهم أجمعين»(8)!.
إذن خليفة الله من يكون؟! إنهم عباد الله المخلصون.. الرحماء المتحابون.. وباسماء الله الرحمن الرحيم.. الرؤوف الكريم.. اللطيف الحليم.. يقتدون..ويتقون.. وبالعمل الصالح المتواصل يتواصلون «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا»(9).
هؤلاء يا أخي الانسان.. يا أخي في الله هم خليفة الله في الارض.. لانهم مطبقون شريعة الله.. شريعة الحب.. لان الله محبة.. وانت عندما تحبني وانا احبك.. ابتغاء مرضاة الله.. نكون أنت وأنا.. خليفة الله في الارض!.
ولكن دعني الفت انتباهك يا أخي الى ان هذه الخلافة لا علاقة لها بنظام الخلافة الذي اتبعه المسلمون في الماضي.. فيما عرفناهم بالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.. ولا بمن جاء بعدهم من الخلفاء.. الأموي والعباسي حتى آخرهم العثماني.. هذه الخلافة ليست سوى نظام حكم.. كالنظام الملكي والجمهوري مثلا.. انها اجتهاد بشري.. بزغ من تحت سقيفة بني ساعدة.. وكانت فلته كما وصفها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. لا رابط لها بالشريعة الإسلامية.. ليست قضاء ولا قدراً من عند الله.. انها مجرد نظام سياسي.. ولا سياسة في الإسلام.. الإسلام دين أمة.. وليس دين دولة.. كما قال المفكر الإسلامي الكبير جمال البنا- رحمه الله-.. إذ حيث تكون مصلحة الأمة.. تكون شريعة الله!.
1) البقرة 30
2) الحجر 29-28
3) الأنبياء 30
4) التين 4
5) البلد10
6) الشمس 8-7
7) الاحزاب 72
8) الحجر 43
9) النساء 36
إني جاعل في الأرض خليفة
أخبار متعلقة