تميل ثقافتنا، ويميل معها مزاج معظم الناس إلى تحقير الحاضر والمستقبل أيضا، بغرض إبقاء الماضي هو العظيم والثري والذي أنجز فيه الأولون كل شيء رائع وجميل، وما علينا سوى فتح أعيننا لنراه ونجتهد لكي نستعيده، ومن ذلك قولهم: “ما ترك الأولون للآخرين شيئا” و”ليس بالإمكان أحسن مما كان.. أو أبدع مما كان” الذي يشير إلى الجمود على الموجود، والحض على تعطيل العقل وعدم الإبداع، وأن الأولين قد قاموا بالواجب كله. وحتى عندما تناقش أحدهم حول تقادم فقه الأولين وموات مكونات تراثية، يشهر في وجهك مقولة “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” بينما الحديث يدور حول الفقه والتراث الذي أنتجه البشر، وليس الإسلام “الدين”، مع العلم أن المسلمين ليسوا وحدهم يعتقدون أن دينهم صالح لكل زمان ومكان، بل أن كل أهل دين يقولون إن دينهم “صالح لكل زمان ومكان” ، فهذه العقيدة موجودة عند اليهود والمسيحيين وغيرهم من أهل الأديان كلها ولولا هذا الاعتقاد لكانوا أهملوا أديانهم منذ زمن بعيد لكنهم لم يفعلوا لإيمانهم أنها صالحة لكل زمان مكان.
في ثقافتنا مركب كبير يروج لفكرة أن المستقبل المشرق هو الماضي.. مركب ثقافي يمجد الماضي ويروج لليأس من الحاضر والمستقبل، وبتعبير الدكتور حسن حنفي: ينهار التاريخ جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن اعتمادا على بعض الأحاديث مثل “خير القرون قرني ثم الذي يلونه”، أو “الخلافة من بعدي ثلاثون سنة تتحول بعدها إلى ملك عضوض” أو سوء تأويل لبعض الآيات مثل: “فخلف من بعدهم خلف، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات”.
وتجد في تراثنا مخزونا هائلا يحقر الدنيا ويبشر بهلاكها.. وأن الزمن لا يأتي بخير.. وأنه “نعم السلف وبئس الخلف”.. وتقرأ في البخاري أن قوما جاءوا إلى أنس بن مالك يشكون إليه ما يلقون من الحجاج بن يوسف الثقفي فقال لهم أنس: “اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم”. ومثله ما أورده مسلم أن ابن مسعود كان يقول : لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة.. فلماء جاءت سنة خصب - وهو خير وليس شرا- رجع يقول لهم : أعني ذهاب العلماء!
ورغم أن الإمام مالك يقول:”لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها” تجد في تراثنا ما يروج للشك بمستقبل الإسلام نفسه، فعلى سبيل المثال تقرأ في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء”.. يعني كما بدأ في مكة حيث كثرة المشركين غريبا، فسيعود غريبا ذات يوم يكون فيه المؤمنون المتمسكين به قلة أو غرباء في المجتمع.. والعجيب أننا نتصالح مع هذا التراث ونروج له في الوقت الذي صار فيه الإسلام ثاني أكبر ديانة في العالم من حيث عدد الأتباع، ومنتشراً في أكثر من 200 بلدا!!
هل مستقبل المسلمين خلفهم؟
أخبار متعلقة